الأب نقولا الرياشي
عيد رقاد السيدة العذراء من أعظم أعياد الكنيسة المسيحية الشرقية، ويُحتفل به في ١٥ آب من كل عام.
يُعرف في الغرب باسم عيد انتقال العذراء مريم (Assumption of Mary)، لكن في التقليد الشرقي تُستعمل كلمة “رقاد” للدلالة على أن الموت بالنسبة للقديسين ليس فناءً، بل نوماً مؤقتاً بانتظار القيامة.
وللعيد هذه السنة طعم اخر لدى الراهبات الباسيليات الشويريات اللواتي استعدن ايقونة ثمينة تعود الى العام 1770، فقدت من الدير، وجرت محاولات حثيثة عبر الزمن لاستعادتها.
وها هي أيقونة رقاد والدة الإله تعود إلى حضن ديرها من جديد بعد رحلة طويلة، لتزين مجدداً هيكلها.
هذه الأيقونة النادرة، التي تعود إلى القرن الثامن عشر (١٧٧٠) تُجسّد مشهد رقاد العذراء مريم كما صوّرته التقاليد البيزنطية الشرقية، حيث يلتف الرسل حول سريرها، ويظهر المسيح في الوسط حاملاً روحها النقية على شكل طفلة بيضاء. جمال الألوان، ودقة التفاصيل، وعمق الرموز اللاهوتية جعل منها تحفة فنية وروحية لا تقدّر بثمن.

غياب هذه الأيقونة الملكيّة النادرة دام أكثر من نصف قرن، اختفت من كنيسة دير النياح في بقعتوته في النصف الأول من القرن الماضي وإذا بها تظهر من جديد في معرض متحف سرسق عام 2000، وتعُرض كتحفة فنية وتاريخية. وبعد 25 سنة من السعي إلى معرفة لغز اختفائها من الدير، وبعد اتصالات ومتابعات عدة، توصل الراهب الباسيلي الشويري الأب نقولا الرياشي إلى التواصل مع مالكيها الجدد، وبعد مفاوضات تمت الموافقة بكل كرم وطيبة خاطر من السيدة نايلة سعادة وعائلتها على اعادة الأيقونة إلى دير سيدة النياح في بقعتوته، لتتربع في مكانها الأصلي حيث كانت منذ عام 1770 التاريخ المدون في أسفل الأيقونة وقد كتبها أحد رهبان دير مار يوحنا الصابغ المنتمي إلى المدرسة الإيقونوغرافيّة الملكيّة الحلبيّة وقد كتب في أسفل الأيقونة:
“أوقف هذه الأيقونة المباركة الخوري يوحنا الدمشقي أحد كهنة مدينة دمشق الشام لرهبان مجمع دير مار يوحنا الصابغ الفاسيليان القانونيان لدير نياح والدة الاله سنة 1770 مسيحية، كتبت بيد أحد رهبان المجمع المذكور في السنة نفسها”.
عادت أيقونة رقاد والدة الإله إلى ديرها الأم، حاملة معها عبق التراث وبركة الأجيال. وكما اجتمع الرسل بمعجزة من أقاصي الأرض ليكونوا حول سريرها لحظة رقادها كذلك اجتمعت الراهبات الباسيليات الشويريات عند استقبال والدة الاله بالترانيم والتسابيح.

الكنيسة والرهبانيّة الشويريّة بفرعيها ترى في عودة هذه الأيقونة الى الدير أكثر من مجرد نقل قطعة فنية؛ إنها عودة إلى الجذور، وإلى المكان الذي انطلقت منه الصلوات وتباركت به الأجيال.
في أجواء احتفالية مفعمة بالإيمان، تكرم الراهبات الباسيليّات الشويريّات والمؤمنون هذه الأيقونة في عيد رقاد والدة الاله بتراتيل الشكر، وكأن الماضي والحاضر يلتقيان في لحظة واحدة، فيؤكدون أن التراث الحي لا يعيش إلا في حضن الإيمان الذي وُلد منه. وكما حفظت مريم العذراء في قلبها كلمات الله، هكذا يحفظ الدير هذه الأيقونة في قلبه، شاهدة على تاريخ صلاة ومحبة لا يزولان.






