وسط مشهدٍ سياسيٍّ يزدادُ تعقيدًا، وعلى وقع الضُّغوط الدّوليّة والإقليميّة، تتّجهُ الأنظار إلى بيروت مطلعَ الأسبوع المقبل. فقد أفادت معلوماتٌ بأنّ موفدًا مصريًّا أمنيًّا رفيعَ المستوى سيصلُ حاملاً رسالةً إلى الرؤساء الثّلاثة تقول إنّ “الوضع أصبح في غاية الخطورة”، في حين تتكثّف الحركةُ الأميركيّة والإقليميّة على خطّ لبنان.
وتؤكّد المعطيات أنّ الموفدة الأمريكيّة مورغان أورتاغوس، الموجودة في إسرائيل حيث ستعقدُ الأحد لقاءاتٍ “لبحثِ كيفيةِ التّعامل مع سلاح حزب الله”، ستصلُ إلى بيروت يومَ الاثنين للمشاركة في اجتماع “لجنة مراقبة وقف إطلاق النّار”. كما يُرتقَب أن يزور توم باراك لبنانَ نهايةَ الشّهر، في سياق “ضغوطٍ مستمرّةٍ على الدّولة اللّبنانيّة لسحب سلاح حزب الله، والتحذير من تصعيدٍ إسرائيليّ”.
تقرير إسرائيليّ
وفي سياقٍ متصل، تعيش الأوساط الأمنيّة والإعلاميّة في إسرائيل ولبنان على وقع تساؤلاتٍ حول مستقبل حزب الله بعد الضّربات القاسية خلال العام الماضي، التي أدّت إلى “مقتل أبرز قادته الميدانيّين، وعزل أمينه العام السّابق السّيّد حسن نصر الله عن دوائر القرار والميدان”، وهذا ما دفع بعض المراقبين إلى القول إنّ “الحزب فقد عينيه على الجبهة”، وفق توصيفاتٍ متداولة.
ووفق تقريرٍ موسَّعٍ نشره موقع “مكان” الإسرائيليّ، فإنّ نصر الله “عاش في أسابيعه الأخيرة حالةَ ارتباكٍ وفقدانِ اتصالٍ بالقيادات العسكريّة”، بعد سلسلة اغتيالاتٍ طالت كبار ضبّاط الحزب، منهم “طلال عبد الله، وإبراهيم عقيل، ووسام الطُّوَّيل، ومحمد نعمة ناصر”، الذي “كان يقود وحدة عزيز”، في حين نُقل عن رجلِ دينٍ لبنانيٍّ مقرّبٍ من الحزب أنّ “تقاريرَ متناقضةً وصلته من الميدان، وأنّ القادة الميدانيّين انتظروا قراراتٍ لم تصدر في اللحظات الحاسمة”، وهو ما أفضى إلى “خسارة زمام المبادرة”.
ونقل التّقرير عن مسؤولٍ أمنيٍّ إسرائيليّ كبير أنّ إسرائيل “نجحت في عزل نصر الله عن قادته الكبار، وقطع شرايين الاتّصال بينه وبين الجبهة”، بما “أدّى إلى تآكل منظومة القيادة والسّيطرة داخل الحزب، وارتكاب أخطاءٍ فادحةٍ انتهت بمقتله”، على حدّ زعمه. وأضاف التّقرير أنّ نصر الله “بنى حساباته على بقاء الصّراع ضمن معادلة الرّدع منذ 2006″، لكنّ “الأحداث بعد السابع من تشرين الأوّل قلبت المعادلة”، مع “توسيع إسرائيل نطاق عملياتها إلى عمق لبنان، وتدمير منظومات الصواريخ والمقارّ القياديّة”.
وخلال الفترة بين كانون الثّاني وتمّوز 2024، يورد التّقرير أنّ الحزب تلقّى “ضرباتٍ نوعيّة”: “اغتيال وسام الطُّوَّيل قائد وحدة رضوان في كانون الثّاني، واستهداف سامي طلال عبد الله قائد وحدة ناصر في حزيران، ومقتل محمد نعمة ناصر قائد وحدة عزيز في تمّوز، ثمّ عمليّةٌ نوعيّةٌ قضت على فؤاد شكر في تمّوز، واغتيال إبراهيم عقيل في أيلول”، كما طالت الضّربات “قادةً في الحرس الثّوريّ الإيرانيّ”، منهم “الجنرال رضا موسوي في دمشق في كانون الأوّل 2023”.
وأشار التّقرير إلى أنّ “عمليّة البيجر” التي “نفّذها الموساد في أيلول”، شلّت “شبكة الاتّصال بين قيادات الحزب”، فأحدثت “فوضى داخل غرف العمليّات، وارتباكًا كبيرًا في اتخاذ القرار”، وأنّ “بعض الوحدات الميدانيّة لم تتلقَّ أوامر أيّامًا”، وسط تساؤلاتٍ عن “دور إيران ودعمها في تلك الفترة”.
أمّا نهاية نصر الله، فيقول التّقرير إنّها وقعت “في 27 أيلول 2024″؛ إذ “خرج من مخبئه لتشييع قائد وحدة الطائرات المسيَّرة محمد سرور”، قبل أن “يتوجّه إلى الضّاحية الجنوبيّة برفقة الجنرال الإيرانيّ عبّاس نيلفوروشان”، لتُنفِّذ طائرات “إف-15 آي” و”إف-16 آي” “غارةً مركّزةً استُخدمت فيها 83 قنبلةً زنة كلّ واحدةٍ منها طنّ”، وهذا ما “دمّر المقرّ الرّئيس للحزب، وأدّى إلى مقتلهما مع عددٍ من القادة”. ونقل عن مصادر لبنانيّة أنّ “الصدمة في صفوف أنصار الحزب كانت هائلة”، وأنّ “أسئلةً طُرحت عن غياب الدّعم الإيرانيّ في تلك اللحظة”.
وعلى الرّغم من ذلك، يرى التّقرير أنّ “حزب الله لم يُمحَ بعد”؛ إذ “لا يزال يحتفظ بآلاف الصّواريخ والطّائرات المسيَّرة ومخزونٍ كبيرٍ من السّلاح الإيرانيّ”، مع تقديراتٍ بأنّ “طهران أرسلت نحو مليار دولارٍ منذ انتهاء العمليّات العسكريّة”، غير أنّ “التّنظيم يمرّ بأضعف مراحله منذ تأسيسه، وإعادة بنائه تتطلّب وقتًا طويلًا وقدراتٍ ماليّةً ولوجستيّةً كبيرة”، في حين تحذّر أوساطٌ إسرائيليّة من أنّ “إهمال المسار الدبلوماسيّ قد يتيح عودةً تدريجيّةً للحزب إلى الميدان”.
تأتي هذه الوقائعُ المزعومةُ بالتّوازي مع حركةِ زياراتٍ وضغوطٍ دبلوماسيّةٍ على الدّولة اللّبنانيّة، وتُنذرُ وفق مصادرَ مطّلعةٍ بمرحلةِ “مقاربةٍ سياسيّةٍ قاسيةٍ” تُلازمُ أيَّة ترتيباتٍ أمنيّةٍ أو تفاهماتِ وقفِ إطلاقِ النّار.






