من اعتداءات الجنوب إلى بيروت، حيث حلق الطيران الحربي الإسرائيلي فوق السراي الحكومي خارقاً أجواء العاصمة، يعيش لبنان تحت وطأة عدوان إسرائيلي براً وجواً، ما استدعى استنفاراً سياسياً واتصالات متسارعة لوضع حدّ للخروقات والانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة. ويأتي ذلك وسط تصاعد المخاوف من عدوان إسرائيلي واسع على لبنان، بدأت بوادره بالتوغل الإسرائيلي فجراً في بلدة بليدا واغتيال أحد موظفي بلديتها. سياسياً، رفع لبنان مستوى المواجهة في تطور لافت بالمواقف الرسمية، والتي واكبها حزب الله في بيان صادر عنه، يؤشر إلى الوقوف خلف الدولة التي تريد التصدي للتوغلات.
وإزاء هذا التصعيد، استقبل رئيس الجمهورية جوزاف عون، قائد الجيش العماد رودولف هيكل، وطلب إليه، انطلاقاً من موقعه كقائد للقوات المسلحة، التصدي لأي عملية توغل إسرائيلية باتجاه المناطق المحررة.
ويأتي هذا التطور في أعقاب اجتماع للجنة الميكانيزم بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، التي طالبت الجيش اللبناني بتنفيذ خطته لسحب سلاح حزب الله فوراً، مشيرة إلى معلومات تلقتها خلال وجودها في إسرائيل، تفيد بأن الحزب يعيد بناء قدراته في الجنوب. ويمكن اعتبار ذلك تمهيداً أو تبريراً أميركياً لأي عدوان إسرائيلي واسع على لبنان، خصوصاً أن عملية التوغل الأخيرة شكّلت تطوراً خطيراً، يوحي بنيّة إسرائيل تنفيذ عدوان بأشكال مختلفة. فبعد عدوان المسيّرات واستهداف معدات إعادة الإعمار، انتقلت إسرائيل إلى سياسة التوغلات، ما ينذر بإمكانية تكرار هذه العمليات في مناطق أخرى تعتبرها مقراً لوجود سلاح حزب الله، سواء في البقاع أو في ضاحية بيروت الجنوبية. وعُلم أن اتصالات متسارعة يجريها لبنان مع دول القرار لمنع تدهور الأوضاع إلى ما هو أخطر.
حزب الله خلف الجيش ويدعمه
غير أن ما يجري يفتح الباب أمام تساؤلات عدة حول ما إذا كان هذا التصعيد مؤشراً إلى فشل المباحثات بين أورتاغوس والمسؤولين اللبنانيين، أم أنه تصعيد مقصود هدفه ممارسة المزيد من الضغط، لدفع لبنان نحو مفاوضات مباشرة مع إسرائيل. ويعني ذلك أن لبنان تُرك لمصيره تحت وطأة العدوان الإسرائيلي الذي يستبيح الأجواء والقرى اللبنانية.
ومن مواقف رئيسَي الجمهورية ومجلس النواب نبيه بري، يمكن استخلاص أن لبنان انتقل إلى حيزٍ جديد من المواجهة، وأنه، ولأول مرة، لم يكتفِ بلغة الإدانة، بل تعدّاها إلى التلويح بالرد من خلال الجيش اللبناني. وأكثر ما كان لافتًا أن حزب الله، وفي بيان الإدانة، وللمرة الأولى، لم يتوعّد بتولّي الرد، بل دعم موقف الرئيس عون الذي طلب من الجيش تولّي مهمة الدفاع عن لبنان، بما يشكّل منعطفًا جديدًا له أبعاده.
عدوان لا يُلجم بالإدانة
وتعليقاً على العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان، وآخره الجريمة التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، باستهداف إدارة رسمية تابعة لوزارة الداخلية والبلديات، في مبنى المجلس البلدي لبلدة بليدا، ما أدى إلى اغتيال أحد موظفي المجلس البلدي، الشهيد إبراهيم سلامي، بدم بارد، إضافة إلى تفجير مبنى النادي الحسيني في بلدة العديسة، والاعتداء على الجيش واليونيفيل ومنعهما من القيام بدورهما، اعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري أن “العدوان على لبنان لا يمكن لجمه بالإدانة”، مؤكداً أن “اللحظة الراهنة تستدعي من جميع اللبنانيين استحضار كل عناوين الوحدة، ودعم فخامة رئيس الجمهورية وموقفه الأخير حيال ما حصل اليوم”.
وقال بري: إن ما حصل في بليدا والعديسة، والعدوان الجوي صباحاً على أطراف بلدات العيشية والجرمق والخردلي، وانتهاك أجواء العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية، هو فعل يتجاوز الاستباحة الإسرائيلية للسيادة الوطنية اللبنانية وقرارات الأمم المتحدة، بل هو عدوان على لبنان لا يمكن لجمه بالإدانة. وأضاف: إن اللحظة الراهنة تستدعي من جميع اللبنانيين استحضار كل عناوين الوحدة ودعم فخامة رئيس الجمهورية وموقفه الأخير حيال ما حصل اليوم، خاتماً بالدعاء بالرحمة للشهيد سلامي، والصبر والسلوان لعائلته، وتحية اعتزاز وتقدير لأبناء بلدة بليدا وكافة القرى الحدودية مع فلسطين المحتلة.
ويُعد موقف بري اللافت، الذي اعتبر أن الإدانة لم تعد كافية لصدّ العدوان، امتداداً لموقف متقدم لرئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي أبلغ قائد الجيش العماد جوزف هيكل بإعطاء الأوامر للعناصر المنتشرة في الجنوب بالتصدي لأي عملية توغل إسرائيلية داخل الأراضي المحررة.
وثمّن حزب الله موقف رئيس الجمهورية بطلبه من الجيش اللبناني مواجهة التوغلات الإسرائيلية، و دعا إلى دعم الجيش بكل الإمكانيات اللازمة لتعزيز قدراته الدفاعية وتوفير الغطاء السياسي لمواجهة هذا العدو المتوحش، وحثّ الحكومة على اتخاذ خطوات مغايرة لما قامت به طوال الأشهر الماضية، وتحمل مسؤولياتها عبر إقرار خطة سياسية ودبلوماسية لوقف الاعتداءات وحماية المواطنين اللبنانيين ومصالحهم، ومطالبة المجتمع الدولي ومجلس الأمن وقوات الطوارئ الدولية بتحمل مسؤولياتهم واتخاذ المواقف الرادعة والمناسبة لوقف العدوان.
وأصدر حزب الله بياناً أدان فيه بشدة “الجريمة الإسرائيلية الجديدة، التي أتت مباشرة بعد زيارة الموفدة الأميركية إلى لبنان وترؤسها اجتماعات لجنة الميكانيزم، مؤكداً أن العدوان الصهيوني على بلدنا يتم بشراكة وتواطؤ أميركي، وأن واشنطن هي صاحبة الضوء الأخضر لكل تصعيد وعدوان، بهدف الضغط على لبنان لتنفيذ أجندة ومشاريع خبيثة لا تتوافق مع مصلحته الوطنية ولا تحفظ سيادته وعناصر قوته”. وأكد البيان “أن تمادي العدو في جرائمه يستوجب من الدولة اللبنانية ومن جميع القوى السياسية اتخاذ موقف وطني موحد وصلب، لتقوية موقف لبنان إزاء هذه الاعتداءات المتواصلة”






