على الرغم من كلّ التقارير التي نشرت في وسائل الإعلام حول فضائح التزوير في فرعين للجامعة اللبنانية، والتي تشكل إخباراً، لم تتحرك النيابات العامة. فما هو حاصل في الجامعة يرتقي إلى جرائم جزائية تستوجب تحرك النيابات العامة عفواً وتلقائياً، حرصاً على سمعة الجامعة وأساتذتها وطلابها وشهادتها. لكن ثمّة محاولات للفلفة الموضوع، واعتبار الأمر مجرد “هفوات” تحصل، ويمكن معالجتها عبر تغيير علامات الطلاب الذين تبلّغوا عدم نجاحهم بعد أن خرّجتهم الكلية بحفل حضره رئيس الجامعة بسام بدران.
خلافات انتخابية؟
رئيس الجامعة قلّل من شأن فضائح الفساد في الفرع الثالث، معتبراً أن الأمر مجرّد مناكفات انتخابية بين القوى الحزبية (يتعلق الأمر بانتخاب مجالس وأعضاء الأقسام وممثلي الأساتذة). لكن الخلافات الانتخابية ليست جديدة لا على الفرع الثالث ولا غيره من الفروع. وتحويل الأمر إلى مجرد “خلافات انتخابية” أو حتى طائفية، يعني تدخلاً غير مباشر بالتحقيقات التي لم تبدأ. كما أن من شأنها الاستخفاف بالوقائع الموثّقة، التي تكشف فضيحة تخريج الطلاب قبل صدور نتائج الامتحانات، ورسوب طلاب تخرجوا، ونجاح طلاب كان يفترض أنهم راسبون، وتسريب نتائج الامتحانات لقاء بدلات مالية موثقة بالتسجيلات، وإعادة رفع علامات لطلاب معينين أتت من دون تشكيل لجان مداولات في مجلس الوحدة.
كُرة ملفات الفساد في الفرع الثالث باتت في ملعب وزيرة التربية ريما كرامي. ووفق معلومات “المدن”، الملفات كلها باتت على مكتبها، تضاف إليها فضيحة جديدة تتعلق بتزوير عقود لأساتذة متعاقدين. لكن لم يبدر عن الوزيرة أيّ تعليق، على الرغم من تفرّد رئيس الجامعة بتشكيل لجنة تحقيق مؤلفة من أربعة أساتذة.
ووفق المعلومات تدخّلت مديرة الفرع والعميدة لتغيير عقد أحد الأساتذة، بغية رفع عدد ساعات عمله ليصبح مؤهلاً ليكون في عداد الهيئة الناخبة والتأثير بنتائج الانتخابات. وقد منحتا الأستاذ موادّ إضافية في العقد، لتصبح ساعات تدريسه أكثر من مئتي ساعة. وتبيّن أن التزوير كان مفضوحاً لأن المواد المذكورة في العقد يدرّسها أستاذ آخر. وعندما انفضح الأمر، أعيدت كتابة عقد جديد للأستاذ، وجرى شطب تلك المواد. وجرى التذرع، من أجل كتابة العقد الجديد، بأن العقد السابق كان غير موجودٍ، لكن تبين أنه جرى إخفاؤه.
هذه الفضيحة كانت محط شجار في أحد الاجتماعات التي حصلت في الكلية، لأن التزوير كان لمحاولة تعديل الهيئة الناخبة. ثم جرت لفلفة الموضوع، على الرغم من أن الأمر بمنزلة جرم جزائي يودي بالفاعل إلى السجن.
لجنة التحقيق وقانون الجامعة
ثمة إشكالية في التحقيق الداخلي الذي بدأه رئيس الجامعة عبر تشكيل لجنة تضم أربعة أساتذة، ثلاثة منهم من كلية الحقوق والرابع من مكتب التفتيش الإداري في الجامعة. فالمسألة لا تقتصر على مزاعم أساتذة في الفرع عن أن بدران يغطّي المديرة والعميدة، وهذا ما يجعله طرفاً في الخلافات القائمة في الفرع، بل لأن قانون الجامعة لا يعطي الرئيس هذه الصلاحية.
قانونياً، حرص المشرّع في قانون الجامعة 75 / 67 على عدم إعطاء رئيس الجامعة صلاحية التأديب أو التفتيش أو التحقيق. فقد نصّت المادة 17 منه على أن “يقوم مجلس الجامعة بمهام مجلس الخدمة المدنية وهيئة التفتيش المركزي بالنسبة إلى موظفي الجامعة الفنيين والإداريين”. ثم جاءت المادة 42 منه ونصت على أن “يقوم مجلس الجامعة بمهام مجلس التأديب لأفراد الهيئة التعليمية وسائر أفراد الملاك الفني وفقاً للأصول التي تحدد بمرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير التربية والتعليم العالي وتوصية مجلس الجامعة”. ولاحقاً أتى المرسوم 9333 لسنة 1996 حول “أصول محاكمة أفراد الهيئة التعليمة”، ونصّ على آلية تحويل مجلس الجامعة إلى مجلس تأديب. وقد استثنى المرسوم رئيس الجامعة من مجلس التأديب/ وهو الأمر الذي ينطبق أيضاً على ممثل الطلاب.
بموجب المرسوم يرأس مجلس التأديب العميد الأكبر سناً في مجلس الجامعة. ويمارس مجلس الجامعة كهيئة تأديبية الصلاحيات المنوطة بأصول التحقيق في التفتيش المركزي، ولا يكون الرئيس عضوا في اللجنة المكلفة بالتحقيق. وبمعنىً أوضح، قصد المشرع أن تتشكل في الجامعة هيئة شبيهة بهيئات التفتيش المركزي أو الهيئة العليا للتأديب للتحقيق في القضايا ورفع التقرير لاتخاذ القرارات اللازمة. أما حرص المشرع على استبعاد رئيس الجامعة من الهيئة، فأتى بهدف عدم ممارسة سلطة استنسابية أو عدم التفرد بالقرار. أما دور الرئيس وفق المادة 62 فيقتصر على إنزال العقوبات، وذلك بالاستناد إلى قرار مجلس الجامعة.
دور وزير التربية
في ظل غياب مجلس الجامعة المنحلّ منذ أكثر من خمس سنوات، وتعذّر تعيين مجلس جديد، تصبح صلاحيات المجلس بعهدة وزير التربية. فقد نصّ المرسوم الاشتراعي رقم 49 لسنة 77، الذي هو بمنزلة قانون، على أنه عندما يتعذّر على مجلس الجامعة لأي سبب كان ممارسة حقه في الترشيح المنصوص عنه في المادتين 10 و25 من القانون الجامعة، ينوب عنه وزير الثقافة والتعليم العالي. وهذا يفرض أن يقوم وزير التربية باختيار الأعضاء في الهيئة التأديبية أو المجلس التأديبي، أو نقل الموضوع إلى مجلس الوزراء، عملاً بالمواد 10 و25 من قانون الجامعة، حول آلية تعيين رئيس الجامعة وعمداء الكليات. أما ترك القضية كما هي اليوم، فمؤداها واحد: المزيد من التنكيل بالجامعة وسمعتها.






