سبقت الاستنتاجات حول عدم دعوة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، لاستقبال البابا لاوون الرابع عشر في القصر الجمهوري، الشرح والمبررات والأسباب. انفجر الجدل من اللحظة الأولى، إذ رأى جمهور “القوّات اللبنانية” في عدم دعوة جعجع إلى مراسم استقبال البابا أكثر من مجرّد تفصيل بروتوكولي، معتبرين الأمر محاولة واضحة لإبعاده عن مشهد يتمتّع برمزية استثنائية.
هذا الانطباع تحوّل سريعاً إلى حملة إلكترونية واسعة، تضمنت اتهامات مباشرة لرئاسة الجمهورية بالسعي إلى تهميش جعجع وإقصائه عن مناسبة تجمع البُعد الوطني بالبُعد الديني، رغم أن اللجنة المنظمة للاستقبال، وجهت دعوات للرسميين، من رؤساء ونواب ووزراء وسفراء ورؤساء سابقين، ولم توجه دعوات لرؤساء الأحزاب، بدليل غياب زعيم “الاشتراكي” وليد جنبلاط، ورئيس “المردة” سليمان فرنجية.
شرارة الجدل
بدأ التفاعل بعد تصريح النائبة ستريدا جعجع التي أكدت أن زوجها “لم يُدعَ” إلى مراسم الاستقبال، مشيرة إلى أنّ هذا الأمر أثار الاستغراب. غياب الدعوة من جهة رسمية، لم يُرفق بأي تفسير واضح، مما فتح الباب أمام تأويلات سياسية حادّة وأسئلة عن خلفيات الاستبعاد وغاياته.
اتهامٌ بالإقصاء
سريعاً، تحوّلت وسائل التواصل إلى ساحة سجال مفتوح. رأى قسم كبير من جمهور “القوات” أنّ ما جرى لم يكن سهواً أو خطأً بروتوكولياً، بل خطوة مقصودة تهدف إلى تقييد حضور جعجع في محطة ذات وزن على مستوى المسيحيين في لبنان. واعتبر الناشطون أنّ الاستبعاد يستكمل سلسلة من محاولات “تعطيل” دوره السياسي أو الحدّ من رمزيته، خصوصاً في مناسبة بحجم زيارة البابا وما تحمله من دلالات سياسية ودينية، إذ يرى مناصرو “القوات اللبنانية” أنّ جعجع يمثّل أكبر تكتّل مسيحي في البلاد، وأنّ غيابه عن مشهد مماثل لا يمكن أن يكون تفصيلاً بروتوكولياً محضاً.
بالنسبة إليهم، المشاركة في مثل هذه المناسبات تُعدّ مؤشراً إلى موقع الحزب داخل البيئة المسيحية، وإلى رمزية حضوره في اللحظات التي يتقاطع فيها البُعد الديني مع السياسي. وانطلاقاً من هذا المنطق، يعتبر هؤلاء أنّ استبعاد جعجع عن استقبال البابا يحمل دلالات تتجاوز الشكل البروتوكولي، ويرون فيه خطوة ذات خلفية سياسية في توقيت بالغ الحساسية نتيجة الظروف الراهنة في البلاد، وأيضاً لكون المرحلة الحالية تسبق بفترة قصيرة الانتخابات النيابية المقبلة.
المقارنة مع حضور حميّة
في سياق الحملة، أثارت مجموعة من المعلّقين تساؤلات حول مشاركة الوزير السابق علي حميّة، المحسوب على “حزب الله”، في مراسم الاستقبال، في مقابل غياب جعجع. وذهب البعض إلى القول أنّ الرئاسة وجّهت الدعوة لحميّة ولم توجهها لجعجع، ما يعكس – وفق هذه المقاربة – اصطفافاً سياسياً لصالح فريق دون آخر.
لكنّ هذا الربط غير منطقي وغير دقيق، ذلك أنّ حضور حميّة طبيعي لكونه يشغل منصب مستشار في فريق رئيس الجمهورية، أي أنّه جزء من الطاقم الرسمي المرافق للرئيس في الاستقبالات والمناسبات البروتوكولية. وبالتالي، فإن مقارنته برؤساء الأحزاب لا تستقيم من حيث الموقع الرسمي ولا من حيث طبيعة المشاركة.
ورغم اتساع السجال عبر وسائل التواصل، لم يصدر أي توضيح رسمي مفصّل حول آلية الدعوات وكيفية اختيار المدعوين، وهو ما أبقى المجال مفتوحاً أمام قراءات متعددة وتفسيرات مختلفة. وفي ظلّ الأجواء السياسية المشحونة في البلاد، يصبح أي تفصيل بروتوكولي قابلاً لتحويله إلى مادة نقاش حاد، خصوصاً في المساحات التي تتقاطع فيها الرمزية الدينية مع التنافس السياسي داخل البيئة المسيحية.






