إسرائيل لا توقِف النار: فصلُ الدولة عن حزب الله

0
10

حملت الإنذارات الإسرائيلية والضربات التي استهدفت المناطق السكنية والمنازل في عدد من قرى الجنوب، مؤشرات واضحة إلى المسار الذي تريد اسرائيل اعتماده مع لبنان. أولاً، هي تصر على مواصلة التفاوض تحت النار، وزيادة الضغط على الدولة اللبنانية لأجل سحب سلاح حزب الله، ولأجل دفع الجيش اللبناني للدخول إلى المنازل ومداهمتها وتفتيشها ومصادرة الأسلحة منها. كما أن الإسرائيليين، إضافة إلى الأميركيين، يعبرون على نحوٍ صريح عن أن الدولة اللبنانية تبدو أضعف من القدرة على سحب سلاح حزب الله، ولذلك، تلجأ إسرائيل إلى مواصلة الضربات لإضعاف الحزب وجعل الدولة متحفزة أكثر على سحب سلاحه. 

الفصل بين الدولة والحزب 

ثانياً، تصر إسرائيل على تكريس الفصل بين لبنان الدولة وحزب الله. فلطالما وجه الإسرائيليون انتقادات إلى لبنان، على خلفية أن هناك حالة تطابق وتكامل على نحوٍ تام بين الحزب والدولة ومؤسساتها، وهو ما تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى تغييره تماماً، إضافة إلى السعي لتغيير عقيدة الجيش اللبناني أو توجهاته انطلاقاً من رفض استخدام الجيش كلمة “العدو الإسرائيلي”. والهدف من ذلك هو تكريس الانفصال التام بين الوجهة السياسية لحزب الله ووجهة الدولة اللبنانية. 

ضرب الحزب شيء.. والمفاوضات شيء آخر!

ثالثاً، تريد تل أبيب القول للبنان إنها جاهزة للدخول في مفاوضات سياسية، ديبلوماسية، أمنية، عسكرية، اقتصادية، وفي مجالات متعددة أخرى، للوصول إلى اتفاقات وتفاهمات من شأنها إرساء السلام. لكنها في الوقت نفسه تريد القول إنها تواجه حزب الله وتعمل على ضربه لنزع سلاحه، وتحاول أن تقدم هذا الأمر بأنه محاولة لتقوية الدولية اللبنانية ومؤسساتها. وفي هذا الإطار، يعمل الإسرائيليون على الإكثار من التسريبات التي يشيرون فيها إلى الاستعداد للدخول في تعاون بالمجالات الاقتصادية أو الأمنية، كما أن هناك تسريبات جديدة بدأت تظهر في وسائل الإعلام الإسرائيلية تشير إلى أن الجولات التفاوضية التي ستعقد لاحقاً، وتبدأ في 19 كانون الأول، ستبحث في ملفات كثيرة بينها الاقتصاد، والزراعة والتجارة وغيرها. وهذا يظهر من خلال البيان الأول الذي صدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي قال فيه إنه يفصل المفاوضات مع الدولة اللبنانية عن مواصلة إسرائيل عملها في سبيل نزع سلاح حزب الله. 

تأليب اللبنانيين على الحزب

رابعاً، تسعى إسرائيل إلى تأليب الرأي العام اللبناني على حزب الله، كما تسعى إلى خلق حالة اعتراضية واسعة داخل البيئة الشيعية ضد الحزب، باعتبار أن أبناء الطائفة سيبقون عرضة للضربات والاستهدافات وخسارة أبنائهم وبيوتهم وأرزاقهم وأراضيهم ما داموا يواصلون تأييدهم للحزب. وأما اللبنانيون الآخرون، فإن إسرائيل تريد زرع المزيد من الفرقة بينهم وبين الحزب عبر خروج المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بين فترة وأخرى للإعلان عن اغتيالات استهدفت شخصيات في لبنان واتهام الحزب بها، وهذه أيضاً محاولة للإدعاء الإسرائيلي بأن تل أبيب تعمل على كشف ما لا تكشفه الأجهزة الأمنية ولا التحقيقات أو القضاء. 

محاولات الاستدراج في الناقورة

في اجتماع الميكانيزم قبل يومين، قُسم الاجتماع إلى قسمين: الأول كان موسعاً بحضور كل أعضاء الوفد، والثاني كان ثنائياً بحضور أروتاغوس. وحاول الإسرائيليون استدراج المفاوضات إلى مسار مختلف عن المسار الأمني والعسكري، لا سيما أن ممثل لبنان في الاجتماع سيمون كرم شدّد على أنه يحضر لمناقشة وقف الاعتداءات الإسرائيلية، ووقف الضربات وصولاً إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة. كما شدّد على أن الدولة اللبنانية تقوم بواجبها في مسار حصر السلاح وهي عازمة على ذلك. ولكن الإسرائيليين في المقابل أرادوا أخذ النقاش إلى مكان آخر عبر محاولة طرح ملفات سياسية أو حتى اقتصادية، وهو ما لم يناقشه الموفد اللبناني. 

إبقاء لبنان تحت الضغط

تريد إسرائيل إذن، إبقاء لبنان تحت الضغط، ومن الواضح أنها ستواصل عملياتها العسكرية ضد حزب الله، إضافة إلى زيادة الضغوط على الدولة اللبنانية لعدم إتاحة المجال للبنان كي يشعر بالارتياح نتيجة الدخول في المفاوضات، ولإبقاء الضربات عنصراً أساسياً في دفع لبنان إلى الالتزام بخطة حصر السلاح وتحقيقها. وإذا لم يتم تطبيق الخطة، فإن خيار الحرب سيبقى قائماً ووارداً. كما أن إسرائيل تواصل التلويح بسعيها إلى فرض منطقة عازلة خالية من السكان، ولو اقتضى فرضها بالقوة الأمنية أو العسكرية، أو تحويلها إلى منطقة اقتصادية، وهو ما يَفترض التنسيق الاقتصادي. والرفض اللبناني لمحاولات فرض منطقة عازلة في الجنوب، هو موضوع البحث بين المسؤولين اللبنانيين وسفراء الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن؛ إذ إن لبنان سيطرح معهم مصير الجنوب في مرحلة ما بعد اليونيفيل، وإمكان تشكيل قوة متعددة الجنسيات لضمان الأمن والاستقرار في الجنوب، أو اعتماد قوة مشابهة لتلك التي تعمل في الجولان.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا