إزالة الركام في الجنوب: مصير العمل في يَد إسرائيل؟

0
11

فَرَضَ العدوّ الإسرائيلي بعد وقف إطلاق النار، تقسيماً ضمنياً لقرى الجنوب إلى 3 فئات. القسم الأوّل يضم مدن الأقضية والقرى البعيدة عن الحدود، ومنها مدينتا صور والنبطية ومحيطهما. والقسم الثاني يضم مناطق أقرب إلى قرى الحدودية وبعض تلك القرى نفسها، ومنها طيرحرفا وشمع وصولاً إلى بنت جبيل ومارون الراس وعيترون وبليدا. أمّا القسم الثالث، فيضمّ القرى الممنوع الاقتراب منها بأي شكل من الأشكال، ومنها مركبا والعديسة وكفركلا. وانسحب هذا التقسيم على وتيرة العمل بإزالة ركام المنازل المدمّرة، إذ رُفِعَ الركام بشكل كبير في القسم الأوّل، وببطء في القسم الثاني، فيما القسم الثالث لا يزال على حاله في ظل سيطرة الاحتلال على المنطقة.

وعملياً، فإنّ مناقصات إزالة الركام التي يقودها مجلس الجنوب، تنتظر اتخاذ الحكومة قراراً يتعلّق بالإطار القانوني لتلزيم إزالة الركام. فإمّا التمديد أو فتح مناقصة جديدة وانتظار عارضين جدد. ولإسرائيل يدٌ غير مباشرة في اتخاذ القرار. وبعيداً من الضغط الإسرائيلي، تبقى الرقابة على الأعمال عنصراً أساسياً في هذا الملف.

طلب التمديد

“في نهاية كانون الأول الجاري تنتهي مهلة مناقصات إزالة الركام مع الشركات التي فازت بالمناقصات”، ويستدعي ذلك اتخاذ قرار بقوننة العمل. والخيار الأنسب المتاح في ظل هذه الظروف هو “تمديد المناقصات”، وفق ما يؤكّده رئيس دائرة التنفيذ في مجلس الجنوب حسن طه، الذي يشير في حديث لـ”المدن”، إلى أنّ “التمديد فرصة مناسبة لكسب الوقت واستمرار العمل بإزالة الركام، خصوصاً في القرى المتاخمة للحدود، عوض انتظار وضع دفتر شروط وفتح الباب أمام تقديم العروض واختيار الأنسب بينها”.

وبحسب المناقصات الراهنة، فازت شركتان بالتزام العمل في الجنوب، هما مؤسسة “بيتا” للهندسة والمقاولات التي التزمت العمل في أقضية جزين، صيدا، النبطية، حاصبيا، والبقاع الغربي، صور، مرجعيون، والنبطية، سواء في مدن القضاء أو في قراه. وفي المقابل، التزمت شركة EMC (إيلي نعيم معلوف) إزالة الركام في قضاء بنت جبيل.

السباق مع الوقت الذي يتحكّم به العدوّ، يطال بشكل أساسي “منطقة مرجعيون التي فاق حجم الدمار فيها كلّ التوقعات”. ويوضح طه أنّه في تلك المنطقة “لا يوجد كميات دقيقة لحجم الركام، وستتخطّى الكميات المتاحة في العقد مع الشركات”. وتنسحب بعض العوائق على المناطق التي يسهل العمل فيها، مثل قرى صور والنبطية. لكن في المدينتين، تبرز عوائق “تتعلّق بعدم موافقة بعض أصحاب المنازل على إزالتها، ما يعرقل إزالة ركام كامل المبنى المعترض عليه”. علماً أنّ إزالة الركام في قضاءيّ صور والنبطية “وصل إلى نحو 70 بالمئة”.

وبتأخير إزالة الردم، سواء بسبب معارضة بعض أصحاب البيوت إزالة ركام منازلهم، أو بسبب منع العدوّ الوصول إلى القرى لإزالة الركام، فإنّ الدولة اللبنانية بحاجة لكثير من الوقت لإزالة الركام، حتى في المناطق المسموح العمل بها. وذلك يفتح النقاش حول إيجاد صيغة سريعة للتعاقد مع الشركات والمقاولين لاستكمال العمل.

إجراءات الرقابة

بعيداً من الضغط الإسرائيلي الذي يعرقل إزالة الركام بسهولة، تبرز الحاجة لإجراء رقابة على ما يُنجَز من أعمال. وفي هذا السياق، يقول طه إنّ “الأجواء الأمنية على الأرض تجبر المتعهّدين على إجراء تقييم سريع لحجم الركام. ويحصل التقييم إما عن طريق البلدية التي تحدّد حجم الركام، أو تقوم شركة خطيب وعَلَمي بقياس المساحة، على أن يصار إلى التدقيق بكميات الردم بواسطة تقنية Polygon. كما يتأكّد المتعهّد من عدد المنازل التي سيزيل ركامها، من خلال كشوفات مجلس الجنوب بالتنسيق مع البلديات، وبناءً عليه يتم تعبئة استمارات الإزالة للمنازل، ويبدأ العمل”. ولمزيد من التدقيق “يقوم المتعهّد بتصوير الركام قبل وبعد إزالته”.

علماً أنّ إزالة الركام ينطوي بحسب دفتر شروط مناقصة التلزيم، على “أعمال أعمال تكسير الباطون، أعمال الهدم، أعمال الفرز والنقل إلى المكبات المحددة والمعتمدة وفقاً لمتطلبات وزارة البيئة، وأعمال التدعيم المؤقّت حيث يلزم”.

على أنّ المتعهّدَين “بيتا” و EMC، يقومان بتلزيم الأعمال لمقاولين في القرى، “ويختلف التلزيم بحسب حجم الركام المفترض إزالته، فإذا كان كبيراً، يتم التلزيم لمتعهّد كبير، وإذا لم يكن كذلك، يجد بعض المتعهّدين الصغار فرصة للكسب”، وفق ما تقوله مصادر تعمل في إزالة الركام في الجنوب، والتي تشير لـ”المدن”، إلى أنّ “حجم الدمار يحدّد الأكلاف المترتّبة على المتعهّد نتيجة تشغيله عدداً معيّناً من الآليات. فإذا لم يكن الركام كبيراً فقد تكون الخسارة محقّقة، ولذلك يتم اللجوء لمتعهدين صغار يملكون معدات أصغر وأقل وعادة ما يكونون من أبناء القرى نفسها”. وتضيف المصادر أنّ “المتعهّد الكبير أحياناً يتولّى إزالة ركام منشأة كبيرة، كالمدرسة الرسمية مثلاً، ويكلّف متعهّدين أصغر، باستكمال إزالة ركام المنازل الصغيرة. فالمدارس فيها كمية حديد كبيرة يمكنها تغطية كلفة الإزالة وتأمين الأرباح”.

هذه العملية توجِب إجراءات الرقابة. وفي هذا الإطار “يشرف مجلس الجنوب وشركة خطيب وعَلَمي على العملية”، بحسب طه. ومن جهة أخرى، تقول المصادر إنّ الرقابة الفعلية “تكون على مسار العلاقة بين مجلس الجنوب والمتعهّدين الكبار، في حين أنّ عمل المقاولين الصغار ومَن ينفِّذ الأشغال على الأرض، لا مجال للتلاعب”. وتشرح المصادر أنّ “التلاعب يكون بتقدير المساحات المزالة، كأن يقوم المتعهّد بمسح المكان المقصود وتضخيم مساحته. وهنا، فإنّ مجلس الجنوب هو الذي يراقب نفسه، فهو جزء من عملية التعاقد مع المتعهّدين وهو الذي يراقب حجم الركام المزال”.

وتلفت المصادر النظر إلى أنّ “أرباح صغار المتعهّدين الذين ينفّذون أعمالاً لإزالة على الأرض، تكون عادة من خلال المعادن التي يقومون ببيعها، وتحديداً مادة الألمنيوم، وذلك بالاتفاق مع صاحب المنزل على النسبة المئوية التي يريدها لقاء إزالة الألمنيوم وبيعه. وهذه العملية لا علاقة لها بالتلزيم مع البلدية ومجلس الجنوب والمتعهّدين”.

عملية إزالة الركام تعتبر من أطول عمليات التلزيم التي ستشهدها الدولة اللبنانية، فهي مرهونة بعوامل كثيرة، تتحكّم إسرائيل بأبرز مفاصلها. فهي التي تغضّ الطرف عن عمليات الإزالة، وتمارس أمراً واقعاً في قصف بعض ورش الإزالة، أو تستهدف بعض الجرّافات والآليات، وتمنع المتعهّدين من دخول قرى بأكملها. على أنّ عدم اكتمال أعمال الإزالة، يعني بأنّ المبالغ المالية المرصودة لمجلس الجنوب “قد تُصرَف بالكامل أو لا تُصرَف، ويحال ذلك إلى كشوفات المجلس”، وفق طه.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا