تسابقت الصحف العبرية على النشر عن ما أسمتها “الزيارة المرعبة” التي أجراها الصحافي الإسرائيلي إسحاق هوروفيتس، للبنان، وتحديداً لضريح أمين عام “حزب الله” الراحل حسن نصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية مؤخرًا.
فمن هو هذا الصحافي؟
بالبحث عنه، يتبين أنه يقيم في “إسرائيل” ويحمل الجنسية الإسبانية، ويظهر أن هوروفيتس هو صحافي حريدي، ويكتب في مجلة حريدية أسبوعية تُدعى “بَكِهيلاه”، في مضامين تتعلق بأمور دينية واجتماعية، وحتى سياسية من منظور ديني، عدا عن زيارته مواقع دينية أو تاريخية حساسة.
وحاول هوروفيتس أن يبني سرديته بشأن ما رآه خلال زيارته لبنان وقبر نصرالله، بمساعدة “دليل ومرشد” من حزب الله، يُدعى “علي” الذي بدت دوافعه من تسهيل دخول هوروفيتس، من منطلق أنه “صحافي أجنبي” قد يكتب ما يُنصف الحزب في الصحافة الغربية، وربما استخدم هوروفيتس حيلة لإراحة “علي” خصوصاً والحزب عموماً، من خلال تعبيره عن احترامه وتقديره لنصرالله، وأنه حريص على الكتابة عنه.. وربما كان لتعريفه بنفسه أنه إسباني، عاملاً إضافياً لإضفاء ثقة تجاهه، باعتبار أن الفلسطينيين والعرب يُبدون في السنتين الأخيرتين، إعجابهم بمواقف احتجاجية متقدمة لإسبانيا رسمياً وشعبياً، تجاه ممارسات إسرائيل العدوانية.
كل ما سبق يبقى افتراضات قائمة بشأن كيفية تمكّن الصحافي الإسرائيلي الحريدي من إقناع عناصر بحزب الله، كما يزعم، بالسماح له بزيارة قبر نصرالله، رغم إقرار هوروفيتس بوجود حذر من قبله ومن عناصر الحزب في المكان، وفقاً لما رواه هوروفيتس بعد خروجه من لبنان، للإعلام العبري.

مقاربة “الحذر” .. قبل 14 عامًا!
وبالبحث أكثر عن الصحافي الحريدي إسحاق هوروفيتس، يتبين أنه عبّر في حديث إذاعي عام 2011، عن استناده إلى فتوى أحد الحاخامات، بأنه يجب أن يكون هناك حذر في “البناء للمنازل والمدن” وراء الخط الأخضر، في ظل ما وصفه “بخطر نشوء دولة فلسطينية”. وهنا، يستمد هوروفيتس قلقه من شخصية حاخامية روحية بالنسبة له، ويقوم على أساس ضرورة مراعاة “البناء الإسرائيلي” ما سيحدث على المدى الطويل وتأثيراته على سيرورة الأحداث في المنطقة. وقال هذا الصحافي الحريدي حينها، إنه “يؤمن أن كل الأراضي هي دولة إسرائيل”، لكنه دعا إلى أن يكون البناء في الضفة حذراً لحماية النفس، أي من منطلق أمني!
ويُفهم من موقف هوروفيتس، أنه غير منفصل عن السياق الاستعماري الإسرائيلي، لكن لديه مقاربة “حذرة” بخصوص المستقبل.
“القلق”.. كحافز للمغامرة إلى لبنان
وبتحليل أيديولوجية ونفسية هذا الصحافي، بالنظر إلى ما قاله قبل 14 عاماً، فإن دافع القلق لديه قد يكون محفزه لـ”المغامرة” والسفر إلى لبنان؛ لرؤية حزب الله من مسافة صفر، ومراقبة ورصد تصرفات عناصره ومؤيديه، وكيفية تعبيرهم عن كرههم وغضبهم من إسرائيل.. وكأن هوروفيتس أراد بـ”زيارته المغامرة للبنان”، أن يقيّم ويختبر حجم “الخطر” عن قرب. هذا إن علمنا أن وسائل إعلام عبرية روّجت لكتابة هوروفيتس سرديته عن تجربته التي وصفتها بـ”المرعبة”، في مجلة “بَكِهيلاه” يوم الخميس.
حريديون متدينون في لبنان.. لماذا؟
الواقع أن نسبة لافتة من الإسرائيليين الذين كشفوا عن زياراتهم للبنان بجنسيات أجنبية في الأسابيع والأشهر الماضية، هم من المجتمع الحريدي المتدين.. فما السبب؟
يقول المتخصص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد لـ”المدن”، إن قنوات عبرية أشارت أخيراً إلى الصحافي هوروفيتس، على أساس أنه زار أيضاً مواقع دينية وتاريخية في دول أخرى، مثل مصر، معتبراً أن سبب زيارات تلك الشخصيات الحريدية إلى لبنان، بجنسيات أجنبية، تندرج في سياق أهداف قد تكون بحثية أو استخباراتية، وربما الاثنان معاً.
في حين، اعتبرت تحليلاتٌ أخرى أن الصحافيين الذين يعملون في مجلات أو صحف حريدية، ليسوا مشهورين، وهو ما يسهل عليهم السفر إلى مناطق تصنفها إسرائيل “خطرة”، عبر جنسيات أجنبية، من دون معرفتهم؛ لأن الصحافيين الإسرائيليين “المشهورين” لا يُخاطرون بهكذا زيارات. عدا عن أن الدافع الأيديولوجي للإسرائيلي الحريدي “المتدين”، قد يكون المحرك لهكذا مغامرة؛ في محاولة لتذليل “هواجس” ما.
ولا يُستبعد أيضاً دافع الشهرة، باعتبار أن هؤلاء الإسرائيليين الزائرين للبنان إما “مغمورين” أو باحثين عن “ترنيد”، علّ هكذا زيارات تسهم في سطوع نجمهم بعد ذلك!
لكن في حالة الصحافي إسحاق هوروفيتس، تبدو دوافعه أبعد من البحث عن شُهرة، فهو تمكن في نهاية المطاف من إقناع أحد عناصر حزب الله، بـ”أهمية” زيارته للضاحية وضريح نصرالله، وفق قوله… أي أن هواجسه وفضوله لفهم “العدو” من نقطة الصفر، قد تكون دافعًا لـ”مغامرته” التي وصفها الإعلام العبري بـ”المُرعبة”.






