كتبت صحيفة “الأخبار” نحن أمام حقيقة واحدة، وهي أن إسرائيل عدوّ يعمل بالعقل نفسه والروح نفسها والأدوات نفسها ضد غزة ولبنان، وهو باشر الأمر نفسه في سوريا، ويستعد للانتقال الى العراق، ولاحقاً الى اليمن، ولا يخفي نتنياهو مواصلة الاستعداد لضرب إيران.أما من يطلب فصل الساحات بعضها عن بعض، فلا يريد أن يفهم حقيقة أن ما تقوم به إسرائيل، بتغطية واضحة من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وبشراكة بعض الدول العربية،هو توحيد للساحات بقوة. ومن يطلب الفصل بين الجبهات، لا يعرف أن العدوّ بوجوده، وبما يقوم به، هو من يعزّز وحدة الجبهات ويرفع من مستوى التحدي لدى كل من يؤمن بأن إسرائيل شرّ لا بد من التخلص منه.
ولأن الأمر على هذا النحو، فإن مشروع المقاومة هو الخيار الوحيد، وبديله العيش أو الموت جوعاً وقهراً وذلّاً. وكلّ من يعطينا دروساً في السيادة والحرية والكرامة الوطنية، لكنه مستعدّ لإشعال البلاد من أجل حارس أحراج، عليه أن يفهم أن الدرس الأهم في هذه الحياة هو أن تقف في المكان الصحيح. وكل من يواصل اتهام المقاومة بالمسؤولية عمّا يجري، يجب أن يعرف أنه من الآن فصاعداً سيكون شريكاً في هذا العدوان، وعليه أن يعي أن موقفه من أصل العدوان الإسرائيلي هو الأساس، وأن يدرك أنه في حال قرّر الابتعاد عن واجبه – كما يدّعي في دفاعه عن السيادة – فليس له الحق في مساءلة الناس عن سبب قيامهم بواجبهم، وعن سبب بذلهم كل ما عندهم من أجل الدفاع عن وجودهم وعن حقهم في حياة حرة وعن سعيهم الى استقلال حقيقي.
أما من يكثر من الحديث عن الاستقلالية، بينما يقود مسيرة تريد أخذ البلاد نحو المغامرة الكبرى، فعليه أن يتنبّه الى خطورة الموافقة والمشاركة في وضع مؤسسات الدولة السياسية والعسكرية والأمنية والقضائية والمالية تحت وصاية المستعمر الأميركي. ومن الأمانة أن يقال لمن يعتقد أن الحرب القاسية القائمة اليوم، تتيح له أو تسمح للاحتلال الأميركي بفرض وقائع على آليات العمل في الداخل اللبناني، أنه سيكون واهماً بأنّ أمراً كهذا سيمرّ من دون مقاومة.
أما من يرفع صوته اليوم مستعملاً العصا الإسرائيلية لتهديدنا، ويتصرّف بفوقية واستعلاء مع المقاومة وبيئتها، فليس عليه سوى سؤال نفسه: ما الذي يمنع هذا الجيش الوحش، بكل ما يملكه من قوة نارية وقدرات جوية غير مسبوقة، من احتلال قرية في جنوب لبنان. وعندما يحصل على الجواب السريع، عليه أن يفهم أن هذا الشعب لا يحتاج إلى أكثر من مسير حتى يمنع أيّ متطوع لخدمة الاحتلال من إثارة الفتنة داخلياً. كما لا تنقصه الشجاعة والقدرة على محاسبة شركاء العدوّ من الغربيين، وفي مقدّمهم الأميركيون والبريطانيون والألمان. ويبدو أن هؤلاء يخلطون الأمور عندما يديرون “أمورهم اللبنانية»، لذا لا بأس من مساعدتهم على فهم حقيقة أن «العقل البارد» الذي حكم جمهوراً كبيراً جداً ودعاه لأن يحفظ «صورة الدولة» لعقود خلت، فإن هذا الجمهور نفسه يمكنه استخدام “العقل البارد” نفسه للقيام بما يجب، دفاعاً عن الوجود المقدّس!
الخير في ما وقع، والجيد أن نتنياهو سهّل الأمر على الجميع بأن أعلن أن حربه مستمرة، وقال علناً إنه ينوي التوسع أكثر في حربه ضد لبنان، وفي المنطقة، وصولاً الى إيران. وجيّد أنه خاطب الأميركيين لكي يفهم من يراهن على تدخّلهم أن الحرب قائمة وطويلة… وعندها، لا صوت سيعلو فوق صوت الميدان.