كتب نظير مجلي في “الشرق الأوسط”:
واكبت تل أبيب التعديلات اللبنانية، بتأكيد مسؤول إسرائيلي في إحاطة صحافية، أن «حرية عمل الجيش الإسرائيلي لمهاجمة وجود (حزب الله) جنوب الليطاني، سيتم الحفاظ عليها إذا جرى رصد تهديد ضد إسرائيل». وذكرت تقارير إسرائيلية أن «هناك مخالفات أخرى، مثل إعادة تأسيس تشمل إنشاء مستودعات أسلحة»، مشيرة إلى أنه «سيتم عرض المواقع القتالية والمخابئ تحت الأرض على اللجنة الدولية التي سيتم تشكيلها لتنفيذ الاتفاق».
وعلى مستوى القناتين اللتين يعتمدهما نتنياهو، ذكرت تقارير صحافية إسرائيلية أن المبعوثين الذين يصلون من مقر ترمب تباعاً إلى إسرائيل، يؤكدون تأييدهم لجهود هوكستين، ويطلبون من نتنياهو إنجاز الاتفاق مع لبنان في أقرب وقت، وهناك من يقول إنهم حددوا له مدة أسبوعين. وهو غير معني بخلاف أو صدام مع ترمب من بداية الطريق.
أما المقربون منه فيؤكدون أنه معني بإرضاء الرئيس الجديد، حتى يكسب تأييده في الجبهات الأخرى، أي فرض السيادة على مستوطنات الضفة الغربية، وتخفيف الضغط عليه لوقف الحرب في غزة والجبهة الرئيسة مع إيران.
وحتى لو اقتنع نتنياهو ووافق على الاتفاق مع لبنان، فإنه يحتاج إلى موافقة حلفائه في اليمين المتطرف. ووفق آخر الاستطلاعات، الذي نشرته «القناة 12»، فإن 51 في المائة من الجمهور بات يؤيد وقف إطلاق النار مع لبنان، ولكن هذه النسبة تنقلب عندما يجري الحديث عن جمهور مصوتي نتنياهو وائتلافه الحاكم. فهناك 25 في المائة فقط يؤيدون الاتفاق مع لبنان، ويعارضه 55 في المائة. ويحتاج نتنياهو للتظاهر أمامهم بأنه قاوم الإدارة الأميركية وقيادة الجيش الإسرائيلي ولم يوافق على الاتفاق إلا بعد معارك شديدة، وأنه أخضع «حزب الله»، وفرض عليه شروطاً قاسية.
وهو يقول إن الاتفاق المقترح يتحدث عن تجربة 60 يوماً، فإذا لم تنجح هذه التجربة في وقف عمليات «حزب الله» تماماً وفي إبعاده عن الجنوب إلى شمال الليطاني، فإن الجيش الإسرائيلي سيعود إلى القتال. وستكون الظروف عندها أفضل لإسرائيل، إذ يكون الرئيس جو بايدن قد أخلى البيت الأبيض، وحل محله الصديق ترمب، الذي أعلن أنه سيقف مع إسرائيل في السراء والضراء.
وفي هذه الأثناء، يواصل هوكستين بث روح التفاؤل، بعد لقاءاته مع نتنياهو التي سبقها بلقاءين مع وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، الذي يُعدّ أقرب الناس إلى نتنياهو. وحصل تقدم آخر في المحادثات، وفق هوكستين، وأنه يحتاج إلى بضع جولات أخرى لإحكام بنود الاتفاق.
ووفق مصادر إسرائيلية، فإن نقاط الاختلاف المركزية التي بقيت عالقة، هي موضوع تحديد حق إسرائيل في العمل في أعقاب خرق الاتفاق، والتدخل الأميركي في الإشراف على تنفيذه. فإسرائيل تصر على هذا الحق وممارسته بشكل فوري حال اكتشاف خلية لـ«حزب الله»، أو غيره، تنوي اجتياز الليطاني لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل، واللبنانيون يرفضون. فوجد هوكستين صياغة مرضية يستطيع كل طرف منهما ابتلاعها، تقول: «إن إسرائيل تتريث وتبلغ لجنة المراقبة، فإذا تمكن الجيش اللبناني من معالجة الأمر تنتهي القضية، وإذا لم ينجح، تتدخل إسرائيل ساعتئذ. ولكي يقبل (حزب الله) بهذه الصيغة، تحدثوا ليس عن حق تدخل، بل عن (حق الدفاع عن النفس لكل طرف من الطرفين)».
وقال مصدر سياسي في تل أبيب، الخميس، إن هذا الاتفاق محفوف بكثير من المخاطر، ويُشبه الدخول إلى حقل ألغام. لكن، لا بد مما ليس منه بد، فهو ضروري وحيوي، ويحتوي أيضاً على مؤشرات إيجابية كثيرة، ومن شأنه أن يسهم في حل عقد السياسة اللبنانية برمتها، فهو يحوي في طياته آمالاً حقيقية بعودة سكان الشمال الإسرائيلي النازحين إلى بيوتهم آمنين. فإذا أضيف هذا كله إلى حقيقة أن الجيش الإسرائيلي حقق مكاسب كبيرة في الحرب، فهو قام بتصفية معظم القيادة العليا السياسية والعسكرية في الحزب في الأشهر الأخيرة، وفي مقدمتهم حسن نصر الله، وتم تدمير جزء كبير (70 – 80 في المائة) من قوة نيرانه وقياداته الميدانية. (عدد الإصابات في صفوفه تجاوز حسب تقدير الجيش الإسرائيلي الـ3 آلاف قتيل و11 ألف جريح).
ولكن الجبهة الإيرانية تبقى أمراً مبهماً يُثير قلق الإسرائيليين، فإيران تُعد اللاعب الأكثر أهمية من وراء الكواليس. فلم يكن صدفة أنها -حتى قبل وصول هوكستين- أرسلت إلى بيروت مبعوثاً آخر؛ الشخصية الإيرانية الرفيعة علي لاريجاني، مبعوث الزعيم الأعلى علي خامنئي. ووفق الإسرائيليين، فإيران قامت بحساب أوسع، وبالنظر إلى الإمام، قبل عودة ترمب إلى البيت الأبيض. فهي تخشى من خط أميركي متصلب أكثر في عهده. وتريد التوصل إلى اتفاق يقلص العقوبات على اقتصادها المتعثر، ويرفع تهديد هجوم عسكري مقابل وقف تقدم المشروع النووي. في إطار ذلك، جرى جس نبض من جانبهم تجاه الإدارة الجديدة، وهكذا تزداد الإشارات إلى أنه في هذا الإطار تبدو إيران مستعدة لكبح «حزب الله» كي تنقذ ما تبقّى من قوتها العسكرية، وفي محاولة لحل المواجهة حول المشروع النووي.