في آب 2023 كلّفت وزارة الطاقة اللبنانية شركات أجنبية إجراء مسح في البلوك رقم 8، وحتى اللحظة لم يتبيّن ما إذا قامت بهذه المهمة، كما لم يُعرَف السبب الذي منعها من إجراء المسح المطلوب…
الأمر الذي يبدو أنه دفع بوزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض أمس إلى منح رخصة استطلاع جديدة لشركة TGS النروجية الأميركية “تسمح بإجراء مسح زلزالي ثلاثي الأبعاد لمساحة 1300 كلم2 في البلوك رقم 8، وبموجبها ستتم أيضاً إعادة معالجة البيانات السابقة على امتداد البحر اللبناني، مستخدمة تقنيات حديثة ومتطوّرة، إضافة الى دمج كامل المسوحات السابقة مع بعضها البعض، وعرضها على شركات الاستكشاف العالمية، والترويج والتسويق لدورات التراخيص في البحر اللبناني”.
وعلّل فيّاض هذا الحدث بأنه “يأتي في مرحلة جديدة من تاريخ لبنان” وهو سبب تتقاطع معه فيه خبيرة النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتايان لتقول في حديث لـ”المركزية”: بعدما انتهت الحرب الإسرائيلية على لبنان إثر توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، برزت “المُغريات النفطية” التي كانت تدخل في صلب أي اتفاق يُجريه المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين في مهمته كوسيط بين لبنان وإسرائيل عندما كان مكَلفاً بملف النفط والطاقة من قِبَل الرئيس الأميركي جو بايدن… وهو كان يشدد في كل مرة على أن الاستقرار الأمني والسياسي يجذب الشركات العالمية للمشاركة في عمليات الاستكشاف والتنقيب عن النفط في المياه اللبنانية، وغيره من المُغريات”.
وتُضيف: لذلك عادت وزارة الطاقة عقب وقف إطلاق النار، إلى فتح ملف النفط والغاز، خصوصاً أنها أطلقت جولة التراخيص الثالثة المفتوحة حتى شهر آذار 2025. من هنا عليها أن تتحرّك لاستقطاب الشركات منطلقة من ضمانات أميركية ربما متوفّرة لديها. أما الحديث عن إمكانية استقطاب شركات أميركية وأوروبية بما فيها فرنسية في هذا المجال، فلأن الوزير يعتبر أن اتفاق وقف إطلاق النار جاء برعاية أميركية – فرنسية وبالتالي تحمل في طيّاتها حوافز اقتصادية تجذب الشركات للاستثمار في لبنان.
وتُشير إلى أن “البلوك 8 هو الرقعة النفطية الوحيدة التي لم تُجرَ عليها المسوحات المطلوبة”، مشددة على “ضرورة تسريع وتيرة المَسح، إذ لا يجوز أن تتولى شركة أجنبية هذه المهمة ثم تتريّث في إنجازها مدة 4 أو 5 سنوات! إذ لا مجال للانتظار في هذا الموضوع نظراً إلى عامل “الانتقال الطاقوي” وغيره من الهواجس.. فالوزارة تسعى إلى كسب الوقت لإنجاز العملية بالسرعة اللازمة وتريد إنجاز الحفر في غضون سنة من توقيع الاتفاق. وهذا ما بدا خلال إطلاقها جولة التراخيص الثانية إذ ترغب الدولة اللبنانية في اختيار الشركات التي تُنجِز مهامها بالسرعة المطلوبة”، مذكّرة بأن “الخلاف الذي نشأ بين الحكومة اللبنانية ومجوعة “توتال إنرجي” كان حول هذه النقطة حيث كانت تطالب “توتال” بفترة زمنية للحفر، بينما الحكومة تريد اختصارها لأنها لا تزال تعلّق الآمال على إمكانية وجود غاز وبالتالي تحويل لبنان إلى دولة منتجة للغاز”.
لكن هايتايان لا تخفي توجّسها “مما يحصل على الحدود البحرية الجنوبية مع إسرائيل التي أعطت العام الفائت تراخيص لشركة BP وSocar (كما يظهر في الخريطة المعروضة أعلاه)، للبدء بالتنقيب في البلوكات القريبة من الحدود اللبنانية والمتاخمة للبلوك 8″، وترى في السياق أن “من المهم مراقبة ما يحصل على الحدود البحرية مع إسرائيل خصوصاً إذا كانت هناك مكامن مشتركة حيث يفترض عندها، الالتزام بالآلية الموضوعة في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المشتركة الموقّعة بين لبنان وإسرائيل، كي يحفظ لبنان حقوقه المشروعة منها”.
في الخلاصة، يجدر السؤال عما إذا كانت الدولة اللبنانية ستنجح هذه المرة في الإقلاع مجدداً بملف التنقيب عن النفط والغاز، في ظل التغيّرات الجيو – سياسية الطارئة في المنطقة والتي ستمتد بطبيعة الحال على لبنان في الأمد القريب أو المتوسط؟ الجواب ستحمله التطورات المقبلة على الساحة الداخلية، والإقليمية… فالأميركية عقب تاريخ 20 كانون الثاني 2025.