منذ مبادرة الرئيس بري إلى تحديد موعد الجلسة الانتخابية، التي اتفق على انّها فرصة متاحة لتحصين لبنان امام عواصف المنطقة، ورفدت بدعوات خارجية عربية ودولية للاستفادة منها وانتخاب رئيس يقود مسيرة الإصلاح والإنقاذ، لم يتحرّك القطار الرئاسي خطوة إيجابية واحدة إلى الأمام، سواء في اتجاه حسم الأطراف مشاركتها في الجلسة والحفاظ على نصاب الثلثين انعقاداً وانتخاباً. أو في اتجاه الإنخراط في مسار التوافق على مرشّح أو مرشّحين. او الإلتقاء على تفسير واحد للرئيس الذي لا يشكّل تحدّيا لأي طرف، وأيّ من المرشحين المفترضين تنطبق عليه هذه الصفة.
وعلى ما هو واضح ومؤكّد، فإنّ الهامش الزمني الفاصل عن جلسة 9 كانون الثاني يضيق يوماً بعد يوم، ومع كل يوم يمضي دون بروز تقدّم ملموس نحو الحسم، تصبح مهمّة التوافق على انعقاد الجلسة وانتخاب رئيس للجمهورية اكثر صعوبة. وهو ما تؤشر إليه خريطة مواقف أطراف الملف الرئاسي، التي تبدو حتى الآن، ثابتة على تموضعاتها السّابقة واشتراطاتها ومواصفاتها، وخصوصاً في ما يتعلق بالكتل السياسيّة والنيابية الكبرى.
عين التينة: الفرصة قائمة
وعلى الرغم من هذا الجمود في مربّع السلبية، إلّا أنّ اجواء عين التينة، وفق معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، لا تبدو مسلّمة بانسداد الأفق الرئاسي، ورئيس مجلس النواب نبيه بري ما زال يغلّب التفاؤل على ما يضخ في الأجواء الداخلية من سلبية وتشاؤم، ويقارب جلسة 9 كانون الثاني كما وصفها مثمرة، ويعتبر أنّ أبواب التوافق ليست مغلقة، وفرصة انتخاب رئيس الجمهورية قائمة، فأمامنا أكثر من اسبوعين، وفي الإمكان حسم الامور خلال هذه الفترة في الاتجاه الذي يتوق اليه البلد».
وبحسب هذه الأجواء، فإنّ «فترة الـ18 يوماً الفاصلة عن جلسة 9 كانون الثاني تشكّل ما يعتبره الرئيس بري امتحاناً لكل الاطراف للانخراط في شراكة سياسية واسعة لإتمام الاستحقاق الرئاسي في تلك الجلسة، وقد لا نحتاج للاتفاق على هذا الأمر سوى ليوم أو يومين أو ثلاثة أيام على الأكثر، والشرط الاساس لذلك، هو أن تتوفر الإرادة الصادقة من قبل الجميع لتحصين البلد في هذه الظروف، وإعادة الانتظام لمؤسساته الدستورية وحياته السياسية، ومن هنا فإنّ الجلسة في موعدها المحدّد، والرئيس بري قدّم التزاماً ثابتاً بعقد جلسات ودورات متتالية حتى انتخاب الرئيس».
توافقات إلزامية
على أنّ الوصول إلى جلسة حاسمة انتخابياً في 9 كانون الثاني، على ما يقول مصدر سياسي رفيع لـ«الجمهورية»، مرتبط بمسار محكوم بمجموعة توافقات إلزامية يتوقف عليها انتخاب رئيس الجمهورية:
اولاً، الاتفاق على مبدأ انعقاد جلسة الانتخاب في موعدها المحدّد.
ثانياً، الاتفاق من حيث المبدأ، على أن لا «فيتو» على أيّ من الأسماء المدرجة في نادي المرشحين لرئاسة الجمهورية.
ثالثاً، الاتفاق او التفاهم على مرشّح. وإن تعذّر ذلك فعلى مجموعة مرشحين، ويُترك الأمر للعبة البرلمالنية والديموقراطية تأخذ مجراها الطبيعي ويُنتخب من بين هؤلاء المرشحين من يحظى بالأكثرية المطلوبة للفوز برئاسة الجمهورية.
رابعاً، وهنا الأهمّ، الاتفاق على مشاركة الاطراف فيها، والالتزام بالحفاظ على نصاب الجلسة (الثلثين من أعضاء مجلس النواب اي 86 نائباً) انعقاداً وانتخاباً في كل الدورات الانتخابية.
وتبعاً لذلك، يقول المصدر الرفيع عينه، فإنّ «مصير هذه التوافقات يفترض أن يحسم خلال الفترة الفاصلة عن جلسة 9 كانون الثاني، وعلى هذا الحسم تنتقل لعبة الأسماء من التداول الشكلي او الإستطلاعي حولها في بعض الصالونات وبين بعض المستويات السياسية والحزبية، إلى مدار البحث الجدّي والجوجلة الجوهرية. والأمر نفسه ينسحب على الترشحيات وتبنّي بعض الأسماء، إذ كيف يمكن أن يتمّ التوافق على مرشّح لانتخابه او مرشحين لانتخاب واحد من بينهما، قبل التوافق النهائي والأكيد على جلسة الانتخاب وانعقادها والحفاظ على نصابها القانوني»؟
الدفع الخارجي
وفيما يتفق المراقبون على صعوبة بناء التوافق المطلوب بين التناقضات الداخلية لحسم الملف الرئاسي في جلسة الانتخاب، قال مصدر وسطي مسؤول، رداً على سؤال لـ«الجمهورية»، إنّ اتمام الاستحقاق الرئاسي في الجلسة الانتخابية المحددة، قد لا يكون ميسراً، ربطاً بالتعقيدات الداخلية القائمة، وعدم تراجع بعض الاطراف عن مواقفها وشروطها المانعة لانتخاب رئيس للجمهورية».
أضاف، «وبناءً على هذا الوضع، أعتقد انّ من الصعوبة بمكان ان تتمكن الرياح السياسية الداخلية من ان تحسم الملف الرئاسي إيجاباً، بل اعتقد انّ مجرى الاستحقاق الرئاسي تحدّده رياح خارجية تدفع به بقوة إلى الامام. وبمعنى أدق، هذا الأمر بات يتطلّب دفعاً خارجياً فاعلاً لإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد، وخصوصاً من قبل الأميركيين والفرنسيين».
وفي السياق ذاته، أبلغ مرجع واسع الاطلاع إلى «الجمهورية» قوله، انّ الحركة الداخلية توازيها مشاورات على غير صعيد خارجي. في هذا الاطار جرى تواصل مباشر مع الاميركيين الذين اكّدوا انّهم يريدون ان يروا رئيساً للجمهورية في 9 كانون الثاني، ويدعمون ما يتفق عليه اللبنانيون، وكذلك مع القطريين الحاضرين بزخم وبشكل مباشر في الملف الرئاسي كعامل مساعد على التوافق بين الاطراف. كما انّ التواصل شبه دائم، او بالأحرى شبه يومي مع الفرنسيين، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون منخرط شخصياً في حركة الاتصالات مع المسؤولين اللبنانيين، لدفعه إلى إنجاز الانتخابات الرئاسية».
ورداً على سؤال عمّا تردّد عن نصائح اميركية وفرنسية بالتريث في اتمام الانتخابات الرئاسية الى حين تبلور صورة المنطقة بعد المستجدات التي تلاحقت فيها وخصوصاً في سوريا، قال المرجع: «لسنا على دراية في خفايا الامور والمواقف، ولكن في ما يعنينا، لم يأت الاميركيون او الفرنسيون أمامنا على ذكر هذا الموضوع على الاطلاق».