اكتسب موقف “اللقاء الديمقراطي” الذي صدر بحضور الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وموقف الوزير السابق فرنجية أهمية قصوى قبل ثلاثة أسابيع من موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 9 كانون الثاني المقبل حيث يلف الغموض مجريات هذه الجلسة وسط غياب أي معطيات مؤكدة لخروجها برئيس كما وعد رئيس مجلس النواب نبيه بري. ومرد ذلك إلى تعدد المرشحين من جهة وإلى خلط الأوراق من جهة أخرى بعد استمرار فرنجية في ترشحه وإعلان رئيس المجلس السياسي في “حزب الله” محمود قماطي تمسك الحزب بدعمه وعدم تغيير موقفه طالما ظل فرنجية مرشحاً.
غير أن فرنجية الذي أسهب في الكلام رغم أنه دوّن على ورقته فقط 4 أسطر، حدّد رؤيته لهوية وطبيعة المرشحين رافضاً مرشحين ضعفاء يتم ترغيبهم أو ترهيبهم، مستحضراً نظرية “الرئيس القوي” وداعياً إلى رئيس للجمهورية بحجم الرئيس رفيق الحريري. وهذا الكلام لقي ارتياحاً لدى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي علّق عليه بكلمة “برافو”، فيما هو يتلاقى أيضاً مع ما يريده حزب “القوات اللبنانية” التي تريد رئيساً يتمتع بالوقار والهيبة وصلابة الموقف ويشبه تجربة الرئيس بشير الجميل الذي قبل أن يتسلم رسمياً مسؤولياته الدستورية انتظم عمل المؤسسات في الدولة خلال ثلاثة أسابيع بعد انتخابه وولّد انطباعاً في ذاكرة اللبنانيين لا يتنكّر له حتى خصومه في تلك المرحلة. ومن هنا لا تمانع “القوات اللبنانية” تأجيل جلسة الانتخاب أسبوعين إذا كان التأجيل يشكّل فرصة ليأتي الرئيس المناسب.
وفي تقدير “القوات” وفرنجية أن هناك محاولة لـ “تهريبة” رئاسية يجري العمل عليها من قبل رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل والرئيس بري لإيصال رئيس تحت عنوان “الرئيس التوافقي” لا يتمتع بحيثية مسيحية ويكون مَحكوماً أكثر منه حاكماً ويتولى إرضاء هذا وذاك بحقيبة من هنا ومنصب من هناك بما لا يتوافق مع الدستور. لذلك عبّر نواب وسياسيون عن تقديرهم لموقف فرنجية بالمطالبة برئيس على قدر المرحلة لا الحصة حيث أن كلامه الذي صدر في بنشعي لا شك أنه سًمع في عين التينة مقر الرئاسة الثانية وفي البياضة مقر النائب باسيل.
أما تأييد جنبلاط الاستثنائي لقائد الجيش هو الذي لا يحب في المبدأ دخول عسكري إلى قصر بعبدا، صحيح أنه حرّك الجمود ووضع الكتل النيابية أمام استحقاق التسمية بدل الدوران في حلقة المواصفات، إلا أن هذا الترشيح من كتلة غير مسيحية ولو ضمّت في صفوفها نائباً من بيت سياسي عريق هو النائب راجي السعد، جاء متسرّعاً وكان يُفضّل أن يصدر الترشيح عن كتلة مسيحية وازنة وألا يتكرر ما حصل لجهة ترشيح الثنائي الشيعي قبل سنتين الوزير فرنجية، الأمر الذي أدى إلى إحراج لم يستفد منه رئيس “المردة” مسيحياً.
وعلى الرغم من أن الاعتراض العلني على الخطوة الجنبلاطية جاء من قبل “التيار الوطني الحر” الذي قال “مش جنبلاط يلّي بيرشّح عن المسيحيين” إلا أن الكتل المسيحية الباقية لم تكن راضية تماماً عن هذا التسرّع والتزمت التريث في تأييد الترشيح ريثما تتضح الصورة كلما اقترب موعد الاستحقاق الرئاسي ليُبنى على الشيء مقتضاه ومعرفة هوية الرئيس الذي ستُفتح له أبواب قصر بعبدا المغلقة منذ مغادرة الرئيس السابق ميشال عون في 31 تشرين الأول 2022.
وإذا كان تريث الكتل المسيحية المعارضة وتحديداً “القوات” في دعم ترشيح قائد الجيش لا يعني وضع فيتو على شخصه خصوصاً أن رئيسها سمير جعجع كان أول المبادرين إلى دعمه وإلى دعم تمديد ولايته على رأس قيادة الجيش، فإن المعارضة تريد الاطلاع على الرؤية السياسية لقائد الجيش وبرنامج حكمه ولا تريد أن يقيّده أحد بدفتر شروط مقابل السير بترشيحه.
أما أوساط “التيار الوطني الحر” فتعتبر “أن الأهم في هذا الاستحقاق هو الاتجاه المسيحي العام، ذلك أن رئاسة الجمهورية اللبنانية تبقى قبل السياسة، تعبيراً ميثاقياً عن المشاركة المسيحية في النظام الديمقراطي التوافقي اللبناني. وبناء عليه، لا بد من الوقوف عند رأي المكون المسيحي قبل اتخاذ أي قرار في ما يخص الرئاسة، فما رفض عام 1988 من محاولات فرض خارجي لن يُقبَل اليوم، وما لم يُقبل من ثنائي حزب الله وحركة أمل منذ عام 2022 سيُرفض اليوم إذا صدر عن أطراف أخرى، لأن ما مضى قد مضى، والعودة إلى ممارسات القضم والإقصاء والإلغاء لنصف لبنان أمر مستحيل”.
وبناء على هذه المعطيات، من الصعب التكهّن بما ستنتهي إليه جلسة 9 كانون الثاني مع أن الأرجحية هي لقائد الجيش. إلا أنه كما فشل المعسكران الكبيران الممثلان بالثنائي الشيعي وحلفائه والمعارضة وحلفائها في التأثير على النواب الوسطيين والرماديين والمستقلين لاستقطابهم إلى أحد هذين المعسكرين في الجلسات السابقة، لن ينجح حالياً الوسطيون والرماديون والمستقلون في التأثير على أحد هذين المعسكرين لرفع “البوانتاج” الرئاسي إذا لم تطرأ مفاجآت قبل موعد الجلسة، مع العلم أنه طيلة السنتين الماضيتين لطالما تعاطت بعض الكتل مع الدعوات لإنجاز الاستحقاق الرئاسي ووقف التعطيل بكثير من الترف واللامبالاة.