*رسالة من الجولاني لـ حزب الله’ ما مفادها؟*

0
92

بربطة عنق وبدلة رسمية، استقبل القائد العام للقيادة السورية الجديدة أحمد الشرع الرئيس السابق للحزب “التقدمي الاشتراكي” الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، على رأس وفد حزبي ودرزي وإعلامي كبير، في قصر الشعب الجمهوري في دمشق، في لقاء طُرحت فيه معايير ومؤشّرات توحي بمدى أهمية اللقاء السياسي اللبناني – السوري الأوّل بعد سقوط نظام بشّار الأسد.

لم ينتظر جنبلاط اتضاح المشهد كغيره ليزور دمشق الجديدة، بعدما غاب عنها لأكثر من عقد من الزمن، ولم يتذرّع بالمخاطر الأمنية التي تسهل ملاحظتها على الطرقات العامة، فكانت الزيارة بعد أيام قليلة من سقوط الأسد، وإن دلّ هذا الواقع على شيء، فعلى الرغبة الجنبلاطية باقتناص اللحظة الإقليمية والشروع بإعادة تعبيد الطريق بين لبنان وسوريا، وبين المختارة ودمشق.

وإذ تطرق جنبلاط إلى قضايا العلاقات الثنائية ورؤيته لشكلها، إلّا أن النقطة الأهم كانت إثارة قضية هوية مزارع شبعا والعودة إلى قرار مجلس الأمن 242 الذي يؤكّد سوريتها، وهي إشكالية عمرها عقود، لم تُحل كون النظام السوري السابق رفض تسليم وثائق هذه المنطقة الجغرافية إلى السلطات اللبنانية، واكتفى بالاعتراف شفهياً بهويتها اللبنانية.

يتحدّث رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الإلكترونية الصادرة عن “التقدمي الاشتراكي” صلاح تقي الدين، الذي كان حاضراً في اجتماع جنبلاط والشرع، عن هذه القضية وجدليتها، ويقول إنّ “جنبلاط يعتبر أن مزارع شبعا سورية استناداً إلى القرار الدولي المذكور، إلى أن يثبت العكس في حال تسلّم لبنان من سوريا وثائق تثبت لبنانيتها، وهو لن يمتعض في حال كانت لبنانية”.

أسئلة كثيرة تطرحها هذه القضية، وثمّة من يعتبر أن جنبلاط يثيرها للقول إن إسرائيل تحتل أراضي سورية لا لبنانية، وبالتالي ينتفي حق المقاومة. لكن تقي الدين يعتبر هذه الفرضية “زوبعة في فنجان، لأنها مرتبطة بالقرارين 1702 و425” اللذين يُطالبان بالانسحاب الإسرائيلي من الجنوب ووقف أعمال “حزب الله” العسكرية، وليس القرار 242.

وبالتالي، يُصبح طرح سؤال عن دافع جنبلاط من إثارة هذه القضية مشروعاً. وبحسب ما يكشف تقي الدين، فإن “جنبلاط يسعى للتركيز على مسألة ترسيم الحدود مع سوريا لإغلاق المعابر غير الشرعية وضبط حركة التنقّل بين لبنان وسوريا وفق القانون الدولي”، لافتاً إلى أن الشرع تلقف الموضوع “بشكل جيد” بقوله: “سنسعى بكل ما نملك من سلطة لترسيم الحدود بين البلدين”.

من جهته، لم يُخاطب الشرع الوفد فحسب، بل خاطب اللبنانيين، وكان اللقاء نافذة لإيصال أفكاره إليهم. يريد الشرع تبديل الصورة السورية في الذهن اللبناني، وهي عبارة عن سلطات وصاية واغتيالات واعتقالات وإثارة النعرات وتقوية طرف على آخر، فيُشدّد على مبدأ محاسبة السوريين المتورطين في جرائم بحق اللبنانيين، وبناء علاقات “استراتيجية” بعيداً من “نصرة فريق على آخر”، والبقاء على مسافة واحدة من جميع الأطراف من دون التدخّل بشؤون داخلية.

إلّا أن انتقاد الشرع لمشاريع “حزب الله” لا يُخفى، إذ يعتبر أنها ورّطت لبنان بالصراعات، لكنه يوجّه رسالة إيجابية للحزب، تتمثّل بقوله “لن أتعاطى مع أي مكون لبناني إلّا على قاعدة ما مضى قد مضى، وصفحة النظام السابق قد طويت، ولا يمكن بناء دولة بحسّ الانتقام والغضب”، وكأنه – وفق قراءة مصادر عليمة – يسامح “حزب الله” على ما فعله في سوريا ويسعى لفتح صفحة جديدة معه، بشرط إقلاع الحزب عن سياسة التدخّل بالشأن السوري.

في المحصّلة، فإن لقاءً استثنائياً بكل المقاييس شهده قصر الشعب، قد يكون مقدّمة للقاءات أخرى وعلاقات ثنائية مناقضة لما كان الحال عليه خلال عهد نظام بشّار الأسد، وفي حال تحقق تفاؤل جنبلاط بمستقبل سوريا، فقد يحمل في طيّاته تبدّلات استراتيجية تُخرج لبنان وسوريا من المستنقعات والأنفاق المظلمة التي غرقا فيها طيلة عقود بسبب الصراعات الإقليمية ( مصادر النهار)