كتبت الاخبار
بالتزامن مع بدء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مساعيه من الرياض عبر إرسال النائب بيار أبو عاصي لجسّ نبض السعوديين حول ترشيحه، يسعى محلياً إلى جعل ترشيحه أمراً واقعاً مسيحياً يصعب على الرعاة الدوليين تجاوزه. وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن جعجع بعث بأكثر من رسالة إلى التيار الوطني الحر، وعبر خطوط وقنوات عدة، يقترح فيها على التيار تبنّي ترشيحه لرئاسة الجمهورية، وأكثر من ذلك أن يبدأ الترشيح من التيار نفسه! وبعيداً عن «العروضات» التي يحاول فيها قائد القوات إغراء التيار بتبنّي ترشيحه، فإن «المنطق» القواتي وراء هذا الطلب أنه ليس للتيار مرشح محدّد، وأن ترشيح جعجع ينسجم مع شعار العونيين بأن الرئيس المنتخب يجب أن يحظى بشرعية تمثيلية مسيحية، والأهم أنه يخلط كل الأوراق ويقطع الطريق على قائد الجيش، إذ يظهر أن المسيحيين موحّدون خلف مرشح واحد، كما أنه «مناسبة ليستعيد المسيحيون دورهم وتكون لهم الكلمة الأولى في اختيار الرئيس».
وفي المعلومات أن التيار، «انسجاماً مع مواقفه من تمثيل المسيحيين» أبدى استعداداً لـ«التفكير في الأمر»، انطلاقاً من أنه «ليس من حق أحد أن يمنع أحداً من الترشح خصوصاً إذا كانت له شرعية تمثيلية، كما أنه ليس من حق أحد أن يمنعنا من الترشح». غير أن المشكلة تكمن في أن التيار «يريد رئيس حل يجمع ولا يفرّق، لا رئيساً يفتح مشكلاً، ويريد مرشحاً يصل إلى الرئاسة لا مرشحاً لمجرد الترشح»، وعليه «إذا كان جعجع يستوفي مثل هذه المعايير فلا مشكلة في دعم ترشيحه»، وإلا «تعالوا نتفقْ على رئيس تتحقق فيه مثل هذه المعايير».
ويبدو أن رسائل جعجع لا تقتصر على التيار الوطني الحر، فقد كشفت مصادر مطّلعة أن قائد «القوات» بعث برسائل إلى الرئيس نبيه بري طلب فيها التحاور حول المرحلة المقبلة. وقال أمام قيادات من القوات إنه مهتم بالتفاهم مع الثنائي أمل وحزب الله، وإنه لا يريد الدخول في معركة مع أحد. وقالت المصادر إن جعجع يعتبر نفسه «الأقدر على طمأنة الشيعة في لبنان بعد التطورات التي حصلت في لبنان والمنطقة».
ونقلت المصادر عن جعجع قوله إنه أبلغ قيادات القوات بأن الموقف من ترشيح قائد الجيش ليس محسوماً بصورة كاملة، وأنه إذا لم يكن هناك فيتو من القوات على ترشيحه، إلا أن ذلك لا يعني أن هناك موافقة مسبقة. وبحسب المصادر فإن جعجع اعتبر أن مشكلة قائد الجيش لا تنحصر في معارضة الثنائي أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر، بل في أنه قبل أن يكون ترشيحه صادراً عن النائب السابق وليد جنبلاط. وبحسب المصادر فإن جعجع يعتبر أنه «لا يمكن بعد كل ما حصل، أن تختار المختارة المرشح لرئاسة الجمهورية، وأنه حاول الوصول إلى حوار مثمر مع جنبلاط لكن لم يظهر أنه مستعد جيداً، وقد عقد اجتماعين مع النائب مروان حمادة من دون الوصول إلى تفاهمات حقيقية»
وفي ظل تعدّد الأسماء المرشّحة، وعودة بعضها إلى الصدارة مثل قائد الجيش والوزير السابق جهاد أزعور، علمت «الأخبار» أن التحرك الذي بدأه جعجع لتهيئة الأرضية لنفسه خلقَ إرباكاً لدى البعض، خاصة المملكة العربية السعودية. فجعجع الذي يتهرّب من ترشيح قائد الجيش، صارَ واضحاً طموحه الرئاسي في وقت يعتبر أن المنطقة دخلت العصر الإسرائيلي وأنه قادر على التقاط فرصة عودة الرئيس دونالد ترامب، وأن ذلك سيساعده حتماً في فرض ما يريد على الآخرين وهي فرصته الأخيرة ليدخل بعبدا رئيساً. وفي هذا الإطار، قالت مصادر بارزة إن «طرح جعجع لنفسه يخلق إرباكاً لدى السعوديين، الذين يفضّلون قائد الجيش أو أزعور». وهم يعلمون أن «قدرة تأمين أصوات لعون أسهل بكثير من قدرة تأمينها لجعجع». فقد أثبتت السنوات الماضية، تحديداً بعدَ خروج رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري من الساحة السياسية، أن جعجع عاجز عن تحقيق خرق سني، وباستثناء نائبين أو ثلاثة، فإن كل النواب السنّة من دون استثناء لن يسيروا به وهم يفضّلون انتخاب قائد الجيش، وبالتالي فإن الرياض ليس بإمكانها أن تفرض على غالبية السنّة خيار جعجع. أما جنبلاط، فقد قال كلمته وأحرج السعوديين قبلَ غيرهم، إذ أدرك ما يخطط له جعجع، فرمى بورقة عون في وجه الجميع. ظنّ كثيرون أن الرجل التحق بركب القرار الخارجي لدعم قائد الجيش، لكن ما لا يعرفه كثر آخرون أن جزءاً من هذا الموقف يرتبط بمخطط معراب. ويعتبر جنبلاط أن تأمين غالبية توافقية حول قائد الجيش الذي تزكّيه الدول الخارجية هو السبيل الوحيد لتطيير جعجع من السباق الرئاسي، لذا عمل على إقناع رئيس مجلس النواب نبيه بري بذلك. وتقول مصادر مطّلعة إن «جعجع قد يتعمّد تطيير أي جلسة إذا ما لمس وجود توافق حول عون، وإذا ما قرّر الثنائي الشيعي السير به»، وهم «حتماً يفضّلونه على قائد القوات، والعلاقة معه ليست متوترة إلى حد كبير كما يحاول البعض تصويرها، خصوصاً أولئك الذين يريدون وضع الجيش في وجه المقاومة