بعد خمسين سنة على حكم عائلة الأسد لسوريا، وكل ما عاناه اللبنانيون والسوريون من نتائج حكمهم الديكتاتوري، سقط النظام البعثي بسرعة وسهولة لم تكن على بال أحد، وذلك بعد أن انتهى دور حليفه الإيراني في لبنان وذراعه المحلي المسمى حزب الله، والذي ساهم ببقائه بالقتل والقهر والتهجير الذي تعرض له السوريون على أيديهم.
اليوم تتبدل السلطة في دمشق ويدخلها الاسلاميون السنة ليحاولوا الحكم بدل البعثيين العلويين،الذين استعملوا كل الوسائل المخالفة لحقوق الانسان، فدمّروا المدن وهجروا سكانها وقتلوا ونكلوابملايين السوريين بعد ما كانوا أذاقوا اللبنانيين مرّ تحكّمهم وتسلّطهم بإسم العروبة تارة والجيرة تارة أخرى والأخوة في أكثر الأحيان والتبعية المذلة التي تفرض العداوة وتحدد الصداقة، وهم رحلوا إلى غير رجعة بدون شك وانتهى برحيلهم أيضا دور الملالي الإيرانيين وسيطرتهم على سوريا ولبنان وربما العراق واليمن قريبا.
يحق للسوريين أن يفرحوا ويتأملوا بمستقبل خال من العنف يقبل بالمساواة وحقوق المواطن، لا بل يكرّس التوازن والعدالة بين المجموعات الحضارية داخل سوريا، ويعد بأفضل العلاقات مع دول المحيطبدون تدخل بشؤون الجيران، وهذا ما يجب أن يثبته الحكام الجديد وقيامه باجراء المصالحات الداخلية والاتفاق على القوانين والقواعد المقبولة من الجميع لترعى مصالحهم وحقوقهم. وعلى اللبنانيين، الذين فرحوا هم أيضا بذهاب الحكم البائد، الانتظار حتى الانتهاء من الفترة الانتقالية تلك ووضوح مشروع الحكم الجديد لمعرفة ما سيكون عليه مستقبل العلاقات بين البلدين.
إن المجلس العالمي لثورة الأرز والذي يهمه استقلال لبنان وحماية مواطنيه يخاف من استبدال الهيمنة البعثية – الملالوية بهيمنة جديدة ربما تكون اخوانجية – اردوغانية (تثبتها أو تنفيها التصرفات المستقبلية)، ومن هنا يدعو الشعب اللبناني الذي عرف مخاطر التدخلات الخارجية في شؤونه ولا سيما كونه لم ينسَ مفاعيل الحرب الأخيرة التي فرضها حزب إيران على لبنان وأدت إلى كل الدمار والخسائر التي تكبدها اللبنانيون في الأرواح والعمران، أن يتمهلوا في التعبير عن الولاء وتقديمالتهاني ريثما يتمكن الحكم الجديد من إثبات حسن نواياه ويقبل به كافة أطياف المجتمع السوري الذي سئم العنف والاستعلاء هو أيضا.
فإذا كان السيد جنبلاط استعجل بزيارة دمشق كعادته بالقفذ بين المواقف فلا يجب أن يكون مثالا يحتذى وهو ليس بالضرورة القارئ الجيد الذي يجب التشبه بأفعاله، وقد لا تؤدي زيارته المتسرعة حتى للمساعدة بفتح حوار درزي مع أسياد سوريا الجدد، وبالطبع لا يعني ذلك أن على كافة اللبنانيين الاسراع بتقديم الخضوع والولاء ولا حتى التهاني للعهد الجديد، ريثما يقبل به السوريون أولا ويحدد علاقاته مع دولة لبنان واحترامه لسيادتها وأمنها وحرية ابنائها. ولكن لا يعني أيضا اتخاذ موقف معاد له أو التدخل بالشؤون السورية الداخلية، فللسوريين الحق باختيار نظام الحكم الذي يريدون وطريقة ادارة البلد بدون تدخلات خارجية ما ينطبق على لبنان الذي عليه أن يؤمن حدوده ويطبق القوانين فيه ويمنع التجاوزات.
إن المجلس العالمي لثورة الأرز يهيب بمن يدّعون المسؤولية في لبنان أن يحافظوا على صورتهم ويقلعوا عن الزحف على كل باب بسبب أو بدون سبب، فصحيح أنهم اعتادوا الخضوع أبان السيطرة السورية والإيرانية، ولكن الوضع اليوم يختلف ويجب أن يستوعبوا بأن المتغيرات والوعي الشعبي لن يرحم الخاضعون الواقفون على كل باب من أجل قنص الفرص وتأمين الاستمرار بتقاسم الجبنة على حساب الوطن وشعبه.