ما كان مجرّد تكهنات بتعطيل المحكمة العسكريّة، سُرعان ما تحوّل إلى حقيقة، بعدما أبلغ مكتب قائد الجيش، العماد جوزيف عون، أمس، أمانة سر المحكمة والمعنيين فيها بمنع عقد الجلسات في الهيئة الدائمة أو حتّى محكمة التمييز العسكريّة (التي أُرجئت الجلسات فيها أمس) حتى إشعار آخر. وبينما تحوّلت المحكمة إلى قلمٍ يُسيّر طلبات إخلاء السبيل للجنح حصراً، يتردّد في كواليس «اليرزة» أن عون بصدد انتزاع صلاحية مذاكرة الهيئة لهذه الطّلبات، ما أدّى إلى غضب لدى المحامين، الذين تبلّغوا القرار من قلم المحكمة، في ظل رفض نقابتَي بيروت والشمال إصدار موقفٍ واحد «خوفاً» من قيادة الجيش!
ويأتي تعطيل المحكمة على خلفيّة قرار وزير الدّفاع موريس سليم التمديد لرئيس المحكمة العسكريّة الدائمة، العميد خليل جابر، حتّى نهاية شباط المقبل، بعدما اقترح المجلس العسكري (اجتمع برئاسة عون وعضويّة الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمّد المصطفى) وضع جابر بتصرّف قائد الجيش واستبداله برئيس النّادي العسكري المركزي العميد وسيم فيّاض.
وهي ليست المرّة الأولى التي يقوم فيها عون بإصدار «فرمان» تعطيل المحكمة، وإنّما سبقه السنة الماضية تعطيل لنحو أسبوعين على خلفيّة إصرار وزير الدّفاع على عدم التمديد لكامل أعضاء الهيئة والقضاة المنفردين، مستنداً إلى المادة 17 من القانون العسكري الذي يُلزم أن يكون في منصب القضاة المنفردين من حملة إجازة الحقوق. يومها، استند سليم إلى المادة 7 من القضاء العسكري التي تنصّ على أن «يتولى القضاء العسكري المنفرد قضاة من ملاك القضاء العدلي. غير أنه يمكن تعيينهم من الضباط المجازين في الحقوق من رتبة ملازم أول وما فوق، وإذا تعذّر ذلك فمن غير المجازين».
يبرّر الطرفان موقفهما بمواد القضاء العسكري
ومع إصرار عون على موقفه، ضغطت قيادات سياسيّة على وزير الدفاع، الذي وجد مخرجاً لتراجعه بأنه «حرصاً على استمراريّة المرفق العام». لكن الوضع اختلف اليوم، إذ استبق سليم قرار التمديد لجابر ومعه أعضاء الهيئة، إضافةً إلى تعيين 3 قضاة منفردين في البقاع والشمال وجبل لبنان إلى صيغة «الحرص على استمراريّة المرفق العام»، كما أنّ الوسيط الذي كان يتدخّل عادةً لتسوية النزاعات بين سليم وعون، أي وزير الثقافة محمّد وسام مرتضى (بتكليفٍ من رئيس مجلس النوّاب بري)، صار جزءاً من الأزمة، بعدما استاءت «عين التينة» من قرار استبدال جابر وأصرّت على عدم استبداله في المرحلة الحالية. وعليه، كان مخرج وزير الدّفاع بعدم استفزاز عون بالتمديد لجابر شهرين بدلاً من 6 أشهر أو سنة، على أن تتضح خلال هذه الأسابيع إمكانيّة وصول عون إلى قصر بعبدا.
مخرج «الأقل كلفة» لم يُعجب «اليرزة»، التي قرّرت اعتبار القرار كأنّه لم يكن، لأنّ عون، ببساطة، لا يرغب في التمديد لجابر ولا يؤمن أيضاً بمبدأ فصل السلطات. وبطبيعة الحال، لا يأبه «القائد» للمواد القانونيّة التي تُعطي وزير الدّفاع سلطة واضحة على المحكمة، حيث تنص الفقرة الأخيرة من المادّة الأولى في القضاء العسكري على أن «يعطى وزير الدفاع الوطني تجاه المحاكم العسكرية جميع الصلاحيات المعطاة لوزير العدل تجاه المحاكم العدلية في كل ما لا يتنافى وأحكام هذا القانون».
في المقابل، يتمسّك المقربون من قائد الجيش بالمادّة 14 من القانون نفسه: «يعيّن وزير الدفاع الوطني في بدء كل سنة الضباط القضاة لدى القضاء العسكري والضباط الذين ينوبون عنهم بقرار مبنيّ على اقتراح السلطة العسكرية العليا بما يتعلق بالضباط التابعين للجيش…». وعلى مبدأ «موازاة الصيغ»، يعتبر هؤلاء أنّه كان من المفترض أن يكون التمديد، كما في حالة التعيين، باقتراح من قائد الجيش، وليس بقرارٍ من سليم.
وإذا كان الطّرفان يبرران موقفهما بالقانون، إلا أنّ النتيجة كانت بأن تتصرّف «اليرزة» بالمحكمة العسكريّة كأنّها واحدة من المؤسسات الخاصة بها التي تتعطّل متى يشاء القائد، وتعمل متى أراد وكيف أراد وبغض النّظر عن الموقوفين «الضحايا» الذين ينتظرون جلسات محاكماتهم أو البتّ بإخلاء سبيلهم، ما يطرح الأسئلة عن قدرته أيضاً في التدخّل بالأحكام بعدما وصلت أزمة «انتفاخ» الصلاحيات وتفسيرها إلى اقتناع المعنيين بأن عون يُريد تحويل وزير الدّفاع إلى وزير بصلاحيةٍ واحدة: التوقيع على قراراته.