خاص: بسام ضو
إنتخاب رئيس أو تسوية وتقاسم الجبنة
بات المواطن اللبناني يشك في نوايا سياسيّه خصوصًا في جلسة التاسع من هذا الشهر التي من خلالها يُفترض أن يُنتخب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية . هناك فعلاً وفق رأي أكثرية مراكز الأبحاث مخاطــرة كبيرة سيقترفها نوّاب الأمة وعلى يبدو هم مستعدّون للمخاطرة بأمن الوطن ومصالحه ومستقبل الشعب ليحموا مصالحهم وبقائهم في سدّة المسؤولية. من هنا يتخوّف بعض المراقبين من تسوية تُتيح بمقام رئاسة الجمهورية وعمليًا سيكون هذا الأمر على حساب مقام رئاسة الجمهورية اللبنانية وضربًا لمقومات الدولة علمًا أنّ رئيس الجمهورية لم يَعُد له هذه المكانة ولا الإعتبار في المنظومة السياسية اللبنانية وهذا الأمر أتى نتيجة ضعف ووهون الطبقة السياسية المارونية سواء أكانت علمانية أو روحية.
الإنتخاب إذا حصل أو عدمه بخطواته هذه سيشكِّل نوعًا من ممارسات متهوّرة يقوم بها نوّاب الأمة على عادتهم وقوامها العبث بأمن الوطن وبمؤسساته المدنية والعسكرية وسيُشكّلْ خطرًا على حياة اللبنانيين إقتصاديًا – معيشيًا – إجتماعيًا . إنّ وجود نوّاب الأمّة في الندوة النيابية هو أشبه بحالة المساكنة والتي توّصف دينيًا وأخلاقيًا ووطنيًا بأنها ضرب من ضروب الفساد والخبث وفعليًا ومع هذا الكم من التراكمات من التصرفات المشينة هي أشبه بالمفاسد كونها أتتْ على اللبنانيين بالشرور والأخطار المحدقة على مستوى المعيشة والسيادة المنتقصة
إستنادًا لمبادىء العلوم السياسية إنّ نظام العدالة الإنتخابية يستوجب أن يكون له أداة رئيسية في سيادة القانون وأقصى إمتثال للمبدأ الديمقراطي القائل بإجراء إنتخابات ( رئاسية – نيابية …) حرّة ونزيهة وأصيلة غير مفبركة وغير مجتزأة ، كما تكمن أهداف نظام العدالة الإنتخابية في وقف أي إبتزاز أو فبركة تسويات ، كما توفير الوسائل القانونية الردعية لتصحيح أي ممارسة فاقدة للشرعية الإنتخابية الشاذة وحتى معاقبة مرتكبيها .
إنّ ما يحصل في المجلس النيابي منذ أنْ إنتُخِبَ هذا المجلس لهو أمر خطير وهناك مخالفات جمّة على مستوى الأداء ، كما أنّ هناك تعدّي وبشكل لا يحتمل اللُبسْ على نظام العدالة الإنتخابية حيث أنّ المجلس الحالي لم ولن يلتزم بعدد من الشروط الدستورية والأعراف والقيم السياسية الوطنية لكي يمنح العملية الإنتخابية المعوّل عليها مزيدًا من المصداقية والشرعية . إنّ المجلس النيابي الحالي ومع إحترامنا لبعض مكوّناته لم يلحظ إحترام أصوليّْ التمثيل والتشريع والتصرف بصدق تجاه الناخبين ، وهذه أمور تتناقض وثقافة الشعب اللبناني كما هي أيضًا تتناقض مع الأطر القانونية الدولية ، والصكوك القانونية الدولية . هناك تعدٍ سافر على نظام العدالة الإنتخابية حيث يتظهّر لنا كمركز أبحاث PEAC ، من قبلْ نوّاب الأمّة وهذا ما يؤكد عدم سلامة النظام البرلماني وقوته ومصداقيته ، ممّا جعل العديد من أعضاء السلك الخارجي ومراكز الأبحاث يُشككّون بشأن مواقف نوّاب الأمّة من الإستحقاق الرئاسي .
إنّ الجمهورية اللبنانية بحالة الفراغ هذه ومع هذا المجلس النيابي الحالي والذي فقد مصداقيته التمثيلية والتشريعية إستنادًا إلى مقاطعة الناخبين لعمليات الإقتراع في الدورتين السابقتين والتي بلغت ما يُقارب ال 59% ، عدا أنه مدّد لنفسه في أسباب غير موجبة إختلقها النوّاب . لذا إنّ هذا المجلس هو في أخطـر صورة مضلّلة ومواقفه أوسع من أهدافها . ويعمد هذا المجلس إلى تضليل الرأي العام ويُصِّرْ على أنه سيّد موقفه وصاحب القرار بينما هو عمليًا كناية عن مجموعات طائفية مذهبية حزبية متناحرة متقاتلة ولكنها تتفق على خراب الشعب والوطن . مجلس نيابي هدفه التضليل وإستغلال المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة .
هذا المجلس الذي يعدنا بإنتخاب رئيس للجمهورية هو مجلس بعيد كل البُعدْ عن المصداقية والشفافية ، إنه مجلس يسير في منعطفات خطيرة وطرق غير سليمة تثير الريبة والشك ، وكل تصرفاته بعيدة كل البعدْ عن المصداقية والشعور الوطني
والنزاهة والضمير والعدل والمساواة . في محاولة منا كمركز أبحاث سنتعرض توّزع الكتل النيابية بإقتضاب ونبدأ بكتلة الجمهورية القوية التابعة لحزب القوات اللبنانية والتي تضم 19 نائبًا فخيارها ليس محسومًا ، أما كتلة لبنان القوي التابعة للتيار العوني والتي تضم 13 نائبًا ، هي لغاية اللحظة تُعارض إنتخاب المرشح العماد جوزيف عون ، أما كتلة التنمية والتحرير التابعة لحركة أمل وتضم 15 نائبًا وعلى ما يبدو أنها مصرّة على مرشحها الوزير السابق سليمان فرنجية ، كما إنها علنًا تعارض تعديل الدستور ، أما كتلة الوفاء للمقاومة والتي تضم 15 نائبًا ، إنها عمليًا ما زالت على موقفها الداعم للوزير السابق سليمان فرنجية ، أما كتلة الكتائب والتي تضم 4 نوّاب فهي داعمة لجوزيف عون ، وكتلة التكتل الوطني المستقل والتي تضم 4 نوّاب وهي عمليًا مقربة من الوزير سليمان فرنجية وفعليًا ستصوّت لفرنجية ، كتلة الإعتدال الوطني نواب من عكار والشمال ، وتضم 6 نوّاب فخياراتها تتوزع بين عون – فرنجية – أزعور ، التكتل النيابي التشاوري المستقل من عديدها نواب تركوا التيار العوني وهم 4 نواب لم يحددوا موقفهم وخياراتهم ، كتلة اللقاء الديمقراطي جنبلاط تضم 8 نواب وأعلنت تأييدها للعماد قائد الجيش ، كتلة الطاشناق وتضم نائبين يرجح أن تدعم قائد الجيش ، الجماعة الإسلامية يمثلها نائب واحد ، كتلة التوافق الوطني وتضم 5 نواب من الطائفة السنيّة وقد تكون مع خيار حركة أمل وحزب الله ، كتلة التجدد وتضم 3 نواب وخياراتها ليست محددة ، النواب المستقلون وعددهم 29 نائبا وخياراتهم مختلفة … إنطلاقًا من هذا الإقتباس يتظهّر لنا أنّ جلسة الخميس قد لا تُسفِرْ عن إنتخاب رئيس جديد للجمهورية ، إلاّ كما كانت تجري العادة كلمة سر.
إنّ جلسة التاسع من كانون الثاني هي أشبه بالمناورة ومحاولة للهروب إلى الأمام ورفع المسؤولية والتمويه على حقيقة سوء النوايا وعدم رغبة حقيقية في إعادة بناء الجمهورية على أسُسْ متينة ورغبة في تحقيق العدالة والتفكير في الإختلاف والمساواة في الحقوق والواجبات . إننا نخشى من تعطيل عملية الإنتخاب أو صياغة تسوية رئاسية يكون فيها الرئيس مجرد دمية بين أيدي الكتل النيابية لأنه محكوم بالدستور وبالمشاورات الملزمة وبالتالي سيكون أمام أمر واقع يفضي إلى تقاسم الجبنة من جديد . عسى يأتي الطوفان السياسي الفكري الحضاري والولاء للوطن من خلال “حكومة إنتقالية ظرفية ” لإعادة الوجه الحقيقي للديمقراطية ولكي تُعيد ل بيروت ست الدنيا وجهها الحضاري كونها أم الشرائع ومنبت الشرفاء .