كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:
طبخة الرئاسة
هذه الحرب، فرضت على لبنان واقعاً مريراً ومأساوياً على كلّ المستويات، أُضيف الى ما يعانيه من أزمات وأعباء، ومن قلب هذه المعاناة والمأساة تتبدّى محاولة لالتقاط انفاس البلد، عبر بناء مساحة داخلية مشتركة للتلاقي الحقيقي على تحصين لبنان في وجه هذه الحرب، والاتفاق على الحدّ الأدنى من الخطوات الرامية الى اعادة تعويم البلد، وفي مقدّمها حسم الملف الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية، وفق المسار الذي حدّده لقاء عين التينة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
ولكن، وعلى ما تقول مصادر مسؤولة مواكبة عن كثب لهذا المسار لـ«الجمهورية»، فإنّه يمكن لهذه المحاولة أن تنجح إذا ما خرجنا من دائرة الاشتراطات، اذا ما تمّ سلوك طريق التنازل لأجل البلد، فهذا التنازل هو المطلوب من الجميع، وظروف البلد الحالية توجب ذلك. صحيح أنّ حركة الاتصالات عكست ما بدا انّه تجاوب لفظي، فيما المطلوب هو تجاوب جدّي.
ورداً على سؤال، قالت المصادر: «لا نستطيع ان نتحدث عن تشاؤم لأنّ حركة الاتصالات لم تنته بعد، كما لا نستطيع ان نتحدث عن تفاؤل، هناك محاولة تجري لتحصين الداخل، وتجاوز التحدّيات الداخلية وفي مقدّمها انتخاب رئيس للجمهورية، وهناك ايضاً اطراف ما زالت عالقة في دائرة الشروط والتحفّظات، ما يعني والحالة هذه – إنْ لم يتمّ الخروج من هذه الدائرة – أنّ الأمور ستبقى مكانها، وما يجري لا يعدو كونه طبخة بحص».
يُشار في هذا السياق الى انّ وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بو حبيب التقى في مقر السفارة اللبنانية في واشنطن مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق بابرا ليف «التي شدّدت على اهمية الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية في الظروف التي يمرّ فيها لبنان».
وما لفت الانتباه في هذا السياق، ما ذكره موقع «اكسيوس» نقلاً عن اثنين من المسؤولين الاميركيين، بأنّ واشنطن تدفع في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية قبل الحل الديبلوماسي.
ونقل الموقع عن هذين المسؤولين، أنّ «البيت الابيض يريد استغلال ضعف «حزب الله» لانتخاب رئيس لبناني جديد». واشار الموقع الى انّ «ادارة بايدن تعتقد انّ هناك فرصة لتقليص نفوذ «حزب الله» وانتخاب رئيس للبنان»، وأضاف انّ الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين أبلغ الرئيس ميقاتي انّ الاولوية هي لانتخاب رئيس للجمهورية». الّا انّ مصادر حكومية نفت ما اورده الموقع الاميركي، وأن يكون هوكشتاين قد اتصل بالرئيس ميقاتي.
مواجهات شرسة
في موازاة القصف الاسرائيلي الواسع في الضاحية والجنوب وفي البقاع، حيث عمد خلاله الطيران الاسرائيلي إلى قصف نقطة المصنع على الحدود اللبنانية- السورية وقطع السير بالاتجاهين، تبقى العيون مسلطة إلى الجبهة الجنوبية، في ظل استمرار العملية البرية الاسرائيلية، حيث أنّ معلومات المصادر الميدانية المختلفة لا تشي بتطورات نوعية على صعيد هذه العملية، وعدم تمكّن الجيش الإسرائيلي التوغل في اتجاه القرى الحدودية، حيث يتمّ التصدّي له بمواجهات شرسة وكمائن محكمة من «قوة الرضوان» التابعة لـ«حزب الله». وتحدث الإعلام الاسرائيلي عن اصابات في الجيش، وتحدث موقع «حدشوت بزمان» العبري عن إخلاء جنود مصابين في معارك جنوب لبنان الى مستشفى هداسا عين كارم.
واشارت المعلومات الأمنية، الى أنّ المواجهات ما زالت محصورة ضمن النقاط ذاتها في محاور كفر كلا والعديسة ومارون الراس ويارين.
كل ذلك يجري في وقت لم تتوقف فيه صفارات الانذار التي دوّت بشكل متواصل في مستوطنات الشمال وصولاً الى العمق الاسرائيلي، جراء القصف الصاروخي العنيف من قبل الحزب، الذي وصل بالأمس، إلى مختلف المستوطنات القريبة من الحدود، إلى صفد والكريوت شمال حيفا، وصولاً الى قيساريا ومحيطها. وذكرت صحيفة «يديعوت احرونوت» العبرية» انّ تحقيقات تجري لمعرفة ما اذا كانت الصواريخ التي أُطلقت على قيساريا (الخضيرة) أصابت منصّة الغاز في البحر. فيما ذكر موقع «واللا» العبري أنّ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو كان في منزله في قيساريا عندما دوّت صفارات الانذار فيها وهرع الى الملجأ».
وفيما تحدث الإعلام الاسرائيلي عمّا سمّاه «يوماً اضافياً صعباً في جنوب لبنان»، لوحظت في الأجواء ترويجات مريبة، كمثل ما ذكرته قناة «سكاي نيوز» نقلاً عن مسؤول اميركي بأنّ الإسرائيليين سيبقون لبعض الوقت في لبنان»ـ قال وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت من الحدود الشمالية: «إنّ العملية في جنوب لبنان ستستمر حتى ازالة تهديد «حزب الله» وإعادة سكان الشمال»، مشيراً الى أنّ «لدينا المزيد من المفاجآت بعضها نفّذناه وبعضها سننفّذه قريباً». وفي هذا الاطار اعلنت هيئة البث الاسرائيلية انّ الجيش الاسرائيلي يستعد لتوسيع عملياته في جنوب لبنان.
وقال مصدر امني لـ«الجمهورية»: «انّ الاسرائيليين ألزموا انفسهم بهدف اعادة سكان الشمال وإبعاد «حزب الله» إلى ما بعد الليطاني، وهذا امر يبدو أنّه لا يتحقق بسهولة، وربما لن يتحقق جراء عنف المواجهة التي يقوم بها «حزب الله» ضدّ القوات الإسرائيلية المتوغلة.
ولفت المصدر الانتباه، الى انّ «حزب الله» حضّر نفسه جيداً للمواجهة، وهذا ما تؤكّده وقائع الميدان»، الّا انّه لم يستبعد في المقابل ان تكون اسرائيل قد اعدّت نفسها لحرب طويلة». وحذّر من «خديعة، يمكن أن تكون تمارسها في المواجهات البرية، وقال انّه يخشى من ان يكون اداء الجيش الاسرائيلي في المواجهة البرية منذ بدايتها قبل ثلاثة او اربعة ايام، من ضمن سياق تكتيكي، اي الاستطلاع بالنار، كمقدمة لمحاولة إيقاع «حزب الله» في فخ مكلف، والإقدام على خطوات اعنف واكثر شدّة واوسع نطاقاً».
عراقجي يتضامن .. ويهدّد
وبالتزامن مع التطورات الميدانية، وصل وزير الخارجية الايرانية الى بيروت عباس عراقجي، في زيارة وصفها بغير العادية، والتقى الرئيسين بري وميقاتي. كما أجرى لقاءً موسعاً بنواب «حزب الله» حسين الحاج حسن، امين شري، وابراهيم الموسوي، ونواب كتلة «امل» علي حسن خليل، ايوب حميد، غازي زعيتر، قاسم هاشم، ونواباً آخرين بينهم امين عام «حزب الطاشناق» النائب هاغوب بقرادونيان والنائب جهاد الصمد.
وقال بعد اللقاء مع بري: «انّه اجرى محادثات جيدة مع الرئيس بري وميقاتي»، واكّد على «وقوف ايران الى جانب لبنان، وهي تدعم مساعيه للتصدّي لجرائم الكيان الصهيوني».
وشدّد على «انّ طهران الى جانب المقاومة، وستبقى كذلك ووجودي هنا خير دليل». وقال: «نحن واثقون من انّ جرائم الكيان ستفشل، ومتأكّدون أنّ الشعب اللبناني سينتصر».
ولفت رداً على سؤال إلى أنّ «هجومنا على الكيان الصهيوني كان دفاعاً مشروعاً عن النفس ووفق مبادئ الامم المتحدة. نحن لم نبدأ الهجوم، ما فعلنا كان رداً على استهداف الاراضي الايرانية وسفارتنا في دمشق والمصالح الايرانية. ولا خطط لدينا للاستمرار الّا اذا قرّر الكيان الاستمرار باستهدافاته لنا. وإذا اتخذ اي اجراء ضدّنا سيكون ردّنا اقوى ومتناسباً وكاملاً ومدروساً».