يعود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، غداً الجمعة، إلى لبنان بعد نحو أربع سنوات من زيارتَين له في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، وذلك بهدف دعم الانفراج السياسي الذي تعذّر عليه تحقيقه حينذاك، ودعم “لبنان جديد” من شأنه أن يعزّز دور فرنسا في الشرق الأوسط.
والهدف من زيارة الرئيس الفرنسي مساعدة الرئيس اللبناني جوزف عون، الذي انتخب قبل أسبوع، في 9 كانون الثاني الجاري، بعد أكثر من سنتين من شغور الرئاسة اللبنانية، ورئيس الوزراء المكلّف نواف سلام، على “تعزيز سيادة لبنان وضمان ازدهاره وصون وحدته”، وفق ما جاء في بيان صادر عن الإليزيه.
ومن المرتقب أن يجتمع ماكرون بالرئيسَين اللبنانَين في إطار زيارته العاصمة بيروت.
وتُنوّه دوائر الإليزيه بالتطوّرات الأخيرة في لبنان، والذي يُشكّل في نظر باريس “قيمة رمزية وأخرى استراتيجية خاصة في الشرق الأوسط الحالي”.
في آب 2020، بعد الانفجار الذي هزّ مرفأ بيروت وخلّف أكثر من مئتَي ضحية، سارع ماكرون لزيارة لبنان، حيث استُقبِل بحفاوة من جزء من اللبنانيين، فيما أبدى البعض استياء شديداً من الطبقة السياسية المتّهمة بتقاعس تسبّب بالكارثة. ولا شكّ في أن تلك الزيارة شكّلت محطّة بارزة في ولاية ماكرون.
وعاد ماكرون بعد ثلاثة أسابيع، في مسعى لدفع الأطراف المختلفة إلى الالتزام بتشكيل حكومة إصلاحية من شأنها أن تنتشل البلد من مشاكله الاقتصادية والاجتماعية.
ولم يقم بزيارة ثالثة كان قد تعهّد بها، في ظلّ إخفاق في تشكيل حكومة عدّه ماكرون “خيانة” لوعوده.
إلى ذلك، واصل ممارسة الضغط على الأطراف اللبنانية، معيّناً وزير الخارجية السابق جان-إيف لودريان مبعوثاً خاصاً في حزيران 2023، في مسعى لتيسير انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية. لكن، كان لا بدّ من الانتظار سنة ونصف السنة قبل أن ينتخب مجلس النواب اللبناني قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية.
وأعقب ذلك تسمية القاضي نواف سلام لتشكيل الحكومة اللبنانية الاولى في عهد عون.
وترى الدبلوماسية الفرنسية في هذا التكليف “انتصاراً” يُكّرس جهودها، لأنّ سلام، القاضي الدولي الذي يحظى باحترام كبير، كان مرشّحها للمنصب، لكنّ تسميته بقيت تواجه تحفّظات من “حزب الله” واللاعب البارز في الساحة السياسية في لبنان.
“بوابة دخول” إلى الشرق الأوسط
في هذا السياق، أكّد المحلل السياسي كريم بيطار أنّ تكليف سلام، “المرشّح الفرنكوفوني القريب من فرنسا، وانتخاب جوزف عون “نبأ سارّ” لباريس.
لكن، “لا يمكن حصر المسألة بنجاح جهود الدبلوماسية الفرنسية” لأنّ “شيئاً لم يحصل” بعد “الإنذار الأخير” الموجّه في 2020، بحسب زياد ماجد الأستاذ المحاضر في الجامعة الأميركية في باريس.
وأشار ماجد إلى عدّة عوامل ساهمت في حلحلة العقدة اللبنانية، منها “الحرب المدمّرة” بين إسرائيل و”حزب الله” و”إضعاف” الجيش الإسرائيلي لقدرات “حزب الله”، و”الأزمة الاقتصادية المطوّلة” في البلد، فضلاً عن سقوط بشار الأسد في سوريا الذي لطالما كانت له مطامع “هيمنة” على الدولة المجاورة و”الخشية من تداعيات وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض” و”دعمه لإسرائيل”.
ولا شكّ في أنّ أجواء زيارة ماكرون ستكون مختلفة عن تلك التي صاحبت زيارته السابقة للبنان. فما من حشود ستكون في استقباله وما من لقاءات جماعية مع الأحزاب السياسية، بما فيها “حزب الله”، كما كان الحال في 2020.
وبالإضافة إلى الاجتماع مع عون وسلام، من المقرّر أن يلتقي الرئيس الفرنسي أيضاً رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي.
ومن المرتقب أن يكون له أيضاً لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي يزور لبنان بدوره، فضلاً عن القائد العام لقوّة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (اليونيفيل) والمشرفين على الآلية التي وضعت برعاية فرنسا والولايات المتحدة لمراقبة تطبيق وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصّل إليه في تشرين الثاني/ نوفمبر بوساطة أميركية فرنسية بين الجيش الإسرائيلي و”حزب الله”.
وسيُشدّد الرئيس الفرنسي خلال زيارته على ضرورة “التزام المهل المنصوص عليها في اتفاق وقف إطلاق النار”، أي أن يتم بحلول 26 كانون الثاني انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان وانتشار الجيش اللبناني.
كما سيدعو “حزب الله” إلى “التخلّي عن السلاح” بغية “الالتحاق بالكامل بالمعادلة السياسية”، بحسب مصادر مقرّبة من الإليزيه.
وتعهّدت الرئاسة الفرنسية أيضاً بـ”خطوات رمزية” لحشد دعم الأسرة الدولية للبنان بعد مؤتمر أقيم في باريس في تشرين الأول.
وأشار زياد ماجد إلى أن “لبنان لطالما كان بالنسبة إلى فرنسا بوابة دخول” إلى الشرق الأوسط، لأن الفرنسيين هم من الجهات القليلة التي “لها نفوذ على كلّ اللاعبين”، إذ “في وسعهم التحاور مع الجميع، بما في ذلك حزب الله وإيران”، خلافاً للولايات المتحدة.
وإذا ما “استطاع البلد النهوض من كبوته، فإن دور فرنسا سيتعزّز في المنطقة”، وفق كريم بيطار.