معركة ترامب–ماسك وارتداداتها الشرق أوسطية: من السردية الرقمية إلى العقيدة الصدامية… هل تنقذ المصالحة مشروع ترامب؟

0
114

د. ميلاد السبعلي

✳️ المقدّمة: صراع النخب… وتصدّع النموذج الأميركي

في العام 2025، لم يكن الخلاف العلني بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك مجرّد شجار سياسي.

بل كان لحظة مفصلية كشفت صراعًا أعمق داخل النخبة الأميركية حول مستقبل الولايات المتحدة:

هل تقودها القوة الرقمية–البراغماتية، أم تعود إلى العقيدة الأمنية الصِّدامية ذات الجذور النيو-ليبرالية واللاهوتية–الإنجيلية؟

ماسك، الذي دعم حملة ترامب الثانية بنحو 290 مليون دولار، عُيّن بعدها على رأس وزارة “الكفاءة الحكومية” (DOGE)، وكان في طريقه ليكون عرّاب التحول التكنولوجي في الإدارة.

لكن سرعان ما تفجّر الخلاف بين الطرفين بسبب ما سمّاه ماسك “الورقة الجميلة” (خطة ترامب الجديدة للضرائب) التي رأى فيها ماسك مشروع إنفاق عشوائي يهدد التوازن المالي، فاستقال من الحكومة، وبدأ يهاجم ترامب علنًا، حتى وصل إلى حد الدعوة لعزله.

هذا التصدع الأميركي لم يبقَ في الداخل، بل امتد إلى لبنان، والخليج، والمنطقة، حيث ظهرت ارتدادات واضحة للقطيعة بين سردية ماسك وسلطة الدولة العميقة في واشنطن.

⚔️ ماسك مقابل سوروس: صراع بين رؤيتين للعالم

لكي نفهم عمق ما جرى داخل الولايات المتحدة، لا بد من التوقف عند جذور الصراع بين إيلون ماسك وجورج سوروس، والذي لم يكن مجرّد خلاف بين مليارديرين، بل صدام بين نموذجين فلسفيين متناقضين:

🧠 سوروس: النمط الليبرالي العالمي

جورج سوروس، عبر مؤسساته كـ “Open Society Foundations”، يمثل التيار الليبرالي العولمي القائم على:

  • دعم الديمقراطية التعددية وحقوق الإنسان،
  • تعزيز مؤسسات المجتمع المدني بحجة الشفافية،
  • التدخل الناعم في العالم من خلال التعليم والإعلام والثقافة.

يرى سوروس أن استقرار المجتمعات لا يأتي من الأمن أو التكنولوجيا فقط، بل من توسيع الحريات وبناء شبكات من الفاعلين المدنيين، حتى لو أدى ذلك إلى تحدي الهويات التقليدية أو النظم الحاكمة.

🤖 ماسك: النمط التكنولوجي–السيادي

في المقابل، يمثّل ماسك نموذجًا حديثًا لقوة صاعدة:

  • لا تهتم كثيرًا بالبنى المؤسساتية الكلاسيكية،
  • تفضّل الابتكار، والكفاءة، والقرارات الفردية السريعة،
  • تؤمن بأن التكنولوجيا قادرة على إصلاح ما فشلت فيه السياسة.

ينظر ماسك بريبة إلى منظمات سوروس، ويرى فيها أدوات لـ”تفكيك المجتمعات من الداخل”، عبر دعم “نُخَب لا تمثل إرادة الناس”، واختراق الهويات الجماعية.

⚡ من الجدل الفكري إلى القطيعة السياسية

في 2023–2024، بلغ هذا الصراع ذروته عندما وصف ماسك سوروس علنًا بأنه:

“عدو الحضارة الغربية… يريد تدمير كل ما نحب.”

ومنذ تلك اللحظة، أصبح استهداف سوروس وسرديته المدنية من أبرز سمات الخطاب الماسكي، وبدأ كثيرون، داخل أميركا وخارجها، بتبنّي هذا الخطاب حرفيًا، ظنًا منهم أنه يعكس التوجه الرسمي للدولة الأميركية.

لكنهم لم يدركوا أن هذا الخطاب ما هو إلا تعبير عن جناح داخل السلطة، سرعان ما تراجع مع تراجع ماسك نفسه.

🗺️لبنان: بين صدى الماسكية وارتباك الحلفاء

في لبنان، لم تمرّ الحرب الماسكية على سوروس من دون ترجمة محلية.

فقد شُنّت حملة مركّزة من قبل وسائل إعلام أبرزها MTV، إلى جانب أطراف محسوبة على القوات اللبنانية، ضد منظمات مدنية كـ”كلّنا إرادة”، متهمة إياها بأنها:

  • مدعومة من سوروس،
  • تعمل ضمن أجندات خارجية،
  • تسعى إلى تفكيك الهوية الوطنية.

🔍 التطابق مع خطاب ماسك

كان لافتًا التطابق شبه الحرفي بين الخطاب اللبناني المهاجم لمؤسسات المجتمع المدني، الذي كان متحالفاً معه سابقا خلال مرحلة 2019 – 2024، وخطاب ماسك ضد سوروس في واشنطن، مركزاً على أنه:

  • “عدو الحضارة”،
  • “ممّول الفوضى”،
  • “يسعى الى تخريب القيم التقليدية عبر العمل الناعم”.

بدا وكأن بعض الأصوات في بيروت تردّد أصداء أصوات وادي السيليكون.

لكن المفارقة هي أن هذه الجهات اللبنانية لم تكن “ماسكية” بالمعنى الأيديولوجي، بل هي من الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، الذين وجدوا أنفسهم منساقين خلف سردية كانوا يعتقدون أنها تمثل المزاج الأميركي الدائم والسياسة الخارجية الأميركية الرسمية، فإذا بها تنهار داخل أميركا نفسها.

📉 ما بعد القطيعة: انهيار الماسكية… وانكشاف الحلفاء

مع خروج ماسك من المشهد، بدأت الدولة العميقة الأميركية، ممثَّلة بالاستخبارات (CIA/NSA)، ووزارة الخارجية (DoS)، ودوائر التمويل الدولي (USAID/NED) التي حاول ترامب بتأثير من ماسك تجفيف تمويلها، بتفكيك خطابه وأدواته:

  • الاستخبارات حجّمت شراكاتها مع SpaceX وStarlink.
  • الخارجية أوقفت الرهانات على “الريادة الفردية” لصالح العودة إلى المجتمع المدني المؤسسي.
  • مؤسسات التمويل الدولي سحبت تمويلات غير مباشرة، وأعادت التركيز على المشاريع الكلاسيكية للتنمية والحكم الرشيد.

في هذا السياق، انكشفت الجهات اللبنانية التي تبنّت سردية ماسك، وبدأت تواجه مخاطر:

  1. انكشافًا سرديًا: خطر فقدان الخطاب المهاجم للمجتمع المدني زخمه لتصبح لغته فجّة ومضادة للتيار المستجد في أميركا.
  2. انكشافًا دبلوماسيًا: خطر تخفيف الدعم الأميركي المباشر، وطلب استبعاد الخطاب التصعيدي ضد البرامج السوروسية الدعم.
  3. انكشافًا شعبيًا: خطر أن يبدأ الجمهور بالتشكيك في فعالية ومصداقية الخطاب “السيادي” المعادي للمنظمات، خاصة وأن الهجوم جاء بدون أسباب مفهومة للناس.

هذا لا يعني دفاعاً عن طرف معين أو عن ارتباط “كلنا إرادة” بسوروس أو بدول ومنظمات غربية، ولا تفضيلا لها عن الفريق الذي هاجمها. فالفريقان برأينا يتشاركان الارتباط “غير السيادي” بأطراف خارجية.

🗺️ التموضع اللبناني في ظل التحوّل الأميركي: من “الماسكية” إلى ما بعدها

مع الانهيار التدريجي للسردية “الماسكية” في مراكز القرار الأميركية، بدأت تظهر في لبنان علامات واضحة على انكشاف القوى التي بنت خطابها أو تموضعها السياسي والإعلامي على تلك السردية.

فقد كانت قناة MTV في مقدمة الجهات التي تبنّت الرواية الماسكية، عبر شنّ حملات ضد منظمات المجتمع المدني، وخاصة “كلنا إرادة”، وتبنّي مقولات متطابقة مع خطاب ماسك المعادي لسوروس. إلا أن هذا الخط الترويجي بدأ يفقد زخمه مع انكفاء ماسك، ما قد يؤدي إلى تراجع التفاعل الدبلوماسي معها، وانسحاب الغطاء السياسي الذي كان يُمنَح لها ضمن الدوائر الأميركية، في حال استمرار الصراع والخلاف بين ماسك وترامب. ويتجه هذا النوع من الوسائل اليوم إلى إعادة تموضع وسطي أكثر توازنًا، محاولةً الحفاظ على خطوط التواصل مع السفارات الغربية.

أما القوات اللبنانية، فقد ذهبت بعيدًا في المزايدة السيادية، من خلال خطاب هجومي ضد منظمات المجتمع المدني وتبنّي نظريات تفكيكية حول أجندات التمويل الخارجي. هذا الخطاب بدا لاحقًا متوترًا وغير متماسك، لا سيما بعد ارتباكها في الملف الإصلاحي الذي كان في السابق أحد أوراق قوتها. وهي تسعى اليوم إلى صياغة خطاب مزدوج يجمع بين الوطنية والهوية المدنية، حفاظًا على قنوات التمويل والتواصل مع الخارج.

في المقابل، كانت منظمة “كلّنا إرادة” في موقع الاستهداف ضمن هذا السجال، لكنها لم تكن جزءًا من المنظومة “الماسكية”، ما جعلها أقل تأثرًا بالتحول، بل ربما أصبحت مرشحة أكثر لاستعادة شرعيتها دوليًا، خصوصًا بعد أن تبيّن أن الاتهامات بحقها كانت سياسية أكثر منها واقعية. وهي في صدد توسيع دورها في ملفات الحوكمة والشفافية، مستفيدة من الفراغ الذي قد يتركه غياب السردية الهجومية السابقة، وفي ظل وجود عدد من الوزراء محسوبين عليها بحسب اتهامات القوات والـ MTV.

وقد تجد الاطراف التي ركبت موجة خطاب ماسك ضد سوروس، خلاصها في حال ملأ صقور المحافظين الجدد فراغ ذهاب ماسك، حيث يعود الخطاب الذي يصعد بوجه حزب الله الى الواجهة، حتى لو اصطدم بأسلوب رئيس الجمهورية المتأني في معالجة موضوع السلاح.

🌍 واشنطن: من ماسك إلى الصقور النيوليبراليين واللاهوتيين الإنجيليين

بعد الانفصال المدوي بين ترامب وإيلون ماسك، برز فراغ فكري واستراتيجي داخل الإدارة الأميركية الثانية. هذا الفراغ، سرعان ما بدأ يملأه التيار الأيديولوجي التقليدي الذي لطالما انتظر فرصته للعودة:

الصقور الجمهوريون، والمحافظون الجدد (Neocons)، والإنجيليون الصهاينة (Evangelical Zionists).

هؤلاء لا يؤمنون بالحسابات، بل بالعقائد:

  • جون بولتون ورفاقه يرون أن التفاوض مع إيران خطيئة سياسية.
  • الإنجيليون الصهاينة يرون في إعادة بناء الهيكل المزعوم وتحقيق “نبوءات آخر الزمان” هدفًا لاهوتيًا.
  • الصقور العسكريون يعيدون طرح سيناريوهات المواجهة مع “محور الشر” بنسخته المعدلة (إيران، حزب الله، سوريا).

أي أنهم لا يريدون الشرق الأوسط سوقًا للتكنولوجيا والاستثمار، بل ساحة حرب لإعادة ترتيب العالم بحسب روايتهم الدينية والجيوسياسية.

هذا التيار لا يؤمن بالتكنولوجيا ولا بالحسابات. بل بـ”الخلاص التاريخي”، و”الحرب المقدسة”، و”إعادة هندسة المنطقة”.

فيما ماسك كان يمثل نموذجًا بديلًا:

“الشرق الأوسط الذكي” لا “الشرق الأوسط المقدّس”.

لكن بغيابه، عاد الطابع العقائدي ليحاول قيادة السياسات… بأدوات عسكرية–تبشيرية لا تفاوضية–تكنولوجية.

لا شك أن كلا من الطرفين يريدان مصلحة أميركا كما يراها، لا مصلحة المنطقة أو العالم العربي.

💸 خطة ترامب الاقتصادية على المحك

خلال زيارته إلى الخليج، وقّع ترامب تفاهمات بقيمة قد تصل إلى 4 تريليون دولار على مدى عشر سنوات، تشمل:

  • مشاريع طاقة متجددة،
  • شراكات صناعية استراتيجية،
  • استثمارات في الموانئ والبنى التحتية،
  • شركات تكنولوجيا مشتركة مع السعودية والإمارات وقطر.

هذه الخطة هي أساس مشروع ترامب لرئاسة اقتصادية قوية، لكنها مرهونة بثلاثة عوامل:

  1. الاستقرار الإقليمي:

أي تصعيد بين إسرائيل وإيران، أو بين حزب الله وإسرائيل، أو ضربات أميركية لسوريا، سيسهم في تفكيك شبكة المصالح هذه.

  1. التقارب الإيراني–الخليجي:

أحد أسس خطة ترامب الاقتصادية هو تقاطع مصالح السعودية مع إيران، لتفادي المواجهة، وتمرير المشاريع عبر العراق وسوريا ولبنان.

  1. دبلوماسية متوازنة:

عقل ماسك كان مناسبًا لهذا النوع من الصفقات؛ أما الصقور، فهم خبراء نسف، لا بناء.

لذلك، فإن استمرار نفوذ الإنجيليين الصهاينة والصقور في محيط ترامب يهدد بتحويل المكاسب الاقتصادية إلى رماد سياسي وعسكري.

فأي مواجهة مفتوحة مع إيران أو سوريا أو حزب الله، أو تفجير إسرائيلي غير منسّق، ستهدد هذه الاستثمارات وتفكك المعادلة الاقتصادية التي يريد ترامب تقديمها للعالم.

🌍 الشام ولبنان: بين الاستقرار الرقمي والاهتزاز الإيديولوجي

يُعد الملف السوري اليوم حجر زاوية في المعادلة الشرق أوسطية الجديدة. فاستقرار سوريا ليس مجرد هدف جغرافي أو جيوسياسي، بل عنصر أساسي لضمان تدفق الاستثمارات الخليجية الى اميركا، وانسيابية مشاريع الربط الإقليمي، ومنع تمدد التوتر إلى لبنان والأردن والعراق ومنها الى الخليج وأوروبا.

🛰️ في حال استمرار الدبلوماسية الرقمية:

إذا ما استطاع ترامب احتواء الصقور، وعاد إلى نهج “الصفقات الذكية” الذي كان ماسك يروّج له، سواء من خلال المصالحة مع ماسك أو مع “الماسكية”، وتوصَّلَ الى اتفاق مع إيران، فإن الشام مرشحة لتشهد:

  1. تثبيت الوضع القائم مع تحسينات تدريجية:
    اعتراف أميركي بالسلطة السورية، مقابل إصلاحات خفيفة واحتواء النفوذ الإيراني.
  2. تعزيز العلاقة بين دمشق وبعض العواصم الخليجية ومصالحتها مع طهران:
    بدفع أميركي–روسي مشترك، يسمح بفتح المعابر وتدفق رؤوس الأموال تحت مظلّة رقابة دولية، واجراء مصالحة مع ايران على الدور والنفوذ.
  3. صيغة تفاهم حول حزب الله:
    تقضي بإخراج الحزب تدريجياً من المعادلات الإقليمية مقابل تعزيز وضعه اللبناني الداخلي تحت سقف الدولة.
  4. احتمال نقل اليورانيوم الإيراني المخصّب إلى روسيا:
    مقابل ضمانات بعدم إنتاج سلاح نووي، ووقف العمليات الإسرائيلية الكبرى في سوريا.

في هذا السيناريو، يعود لبنان إلى الاستقرار النسبي، وربما يُعاد تلزيمه إداريًا واقتصاديًا لسوريا ضمن شبكة إقليمية مدعومة أميركيًا، في إطار غير معلن من إعادة تعريف النفوذ، وليس عودة الاحتلال السياسي أو العسكري، وتحديد مستقبل النازحين السوريين في لبنان أو تسهيل عودتهم الى الشام.

💣 في حال صعود العقيدة الصِّدامية:

أما إذا طغى التيار الصقوري–الإنجيلي الصهيوني والمحافظين الجدد على القرار، فإن المنطقة ستدخل نفقًا خطيرًا:

  1. سوريا تتحوّل مجددًا إلى ساحة صراع دولي–إقليمي:
  • ضربات أميركية–إسرائيلية متكررة،
  • عودة الجماعات المسلحة بغطاء إيديولوجي جديد.
  1. لبنان يُزجّ في المواجهة مجددًا:
  • عبر انهيار التفاهمات الداخلية،
  • تفجير سياسي–مالي جديد،
  • وربما توتر أمني إذا استُهدف حزب الله مباشرة، وهنا قد يكون دور النازحين السوريين خطراً لجهة التحركات الأمنية والعسكرية.
  1. إعادة تصنيف سوريا كدولة في محور الشر:

ما يلغي أي فرصة لإدماجها في شبكات إعادة الإعمار الإقليمي.

في هذا المناخ، لا تعود الشام طرفًا في استقرار المنطقة بل ميدانًا يُستنزف، ويُستخدم كورقة ضغط في نزاعات أيديولوجية لا علاقة لها بمصالح شعوب المنطقة.

🔁 هل تعود المصالحة بين ترامب وماسك؟

رغم كل التصعيد، لا يمكن إسقاط احتمال المصالحة الإستراتيجية بين ترامب وماسك.

فكلا الرجلين يعرف أن الآخر يملك ما يفتقده هو:

  • ترامب يملك الحضور السياسي، والشبكة الحزبية، والقرار السيادي.
  • ماسك يملك الذكاء، والتأثير الرقمي الحديث، وحضور وادي السيليكون.

وهناك ثلاثة مؤشرات تُبقي باب المصالحة مفتوحًا:

  1. المنفعة المتبادلة: عودة ماسك تعني احتواء التطرّف داخل إدارة ترامب، وتقديم واجهة عصرية للمستثمرين الدوليين.
  2. فشل الصقور في تقديم بدائل اقتصادية: إنفاقهم مفرط، ومشاريعهم لا تخلق قيمة اقتصادية في السوق.
  3. تراجع الأسواق بعد الخلاف: هبطت بعض أسهم شركات ترامب–ماسك المشتركة، مما دفع مقربين منهما إلى الدعوة لخفض التوتر.

لكن المصالحة إن حصلت، لن تكون مجانية، بل قد تتطلب تسوية استراتيجية تعيد ترتيب النفوذ داخل الإدارة، وربما تعديل طفيف في خطاب الطرفين.

فهل يعود ترامب إلى التفاهم مع ماسك؟

وهل يَسمَح له بأن يكون “الذراع التقنية–البراغماتية” التي توازن جنوح الصقور؟

وهل يُدرك أن نجاحه الاقتصادي في الشرق الأوسط يحتاج إلى عقل ماسك… لا غريزة بولتون؟

🔯 نتنياهو… المنتصر الصامت

في هذا المشهد الأميركي المتقلب، برز بنيامين نتنياهو كأكبر المستفيدين من عودة الصقور والإنجيليين الصهاينة إلى قلب صنع القرار في واشنطن.

كيف يستفيد نتنياهو؟

  1. إحياء الخطاب الديني–التاريخي:
    الخطاب الذي يربط أمن إسرائيل بتحقيق نبوءات دينية، يجد صدى مثاليًا عند القادة اللاهوتيين الإنجيليين في أميركا.
  2. تحييد المسار التفاوضي:
    نتنياهو لا يريد اتفاقًا مع إيران، بل ضغطًا حادًا يدفعها للانهيار أو الرد… في كلا الحالتين، يربح، برأيه.
  3. ضمان التمويل والدعم العسكري المطلق:
    لا خطوط حمراء أمام إرسال الأسلحة أو التصويت في الكونغرس حين يكون اللوبي الإنجيلي–الصهيوني وتيار المحافظين الجدد في أوج قوته.
  4. تفكيك المنطقة من الداخل:
    عبر تشجيع الأزمات الداخلية في لبنان، والشام، والعراق، وفلسطين المحتلة (غزة والضفة الغربية)، وتقديم “إسرائيل” كواحة الاستقرار الوحيدة وعامل الاستقرار الرئيسي.

نتنياهو لا يتحرك كمن يخطط لمستقبل المنطقة، بل كمن يستغل لحظة الهيمنة اللاهوتية الأميركية لإعادة صياغة الجغرافيا… حجرًا حجرًا.

🧭 الخلاصة: ما بعد ماسك… اختبار نضج الإدارة الأميركية

إن صعود الصقور بعد تهميش ماسك يُعيد أميركا إلى أجواء ما قبل غزو العراق: حيث الأيديولوجيا تتقدّم على المصالح، والدين على الاقتصاد، والمواجهة على التفاوض.

لكن هذه المرّة، المنطقة أكثر هشاشة، والخيارات أقل، والأسواق أكثر حساسية.

إن لحظة ما بعد ماسك تشكّل اختبارًا وجوديًا لإدارة ترامب الثانية:

  • هل تنجح في إعادة ضبط توازنها الداخلي بين العسكرة والعقلانية؟
  • هل تختار من الشرق الأوسط ساحة شراكة أم ميدان مواجهة؟
  • هل تكتفي بالخطاب الديني الصِّدامي، أم تُعيد الاعتبار للقوة الناعمة الذكية؟

ما هو على المحك ليس فقط مصير المنطقة، بل مستقبل الدور الأميركي العالمي نفسه:

أهو دور الشركات والصفقات الذكية… أم دور السيوف والنبوءات؟

الجواب لم يُكتب بعد.

فإما أن يُعيد ترامب هندسة تحالفاته داخل إدارته، ويستعيد العقلانية الرقمية،
أو يُطلق ديناميكية انفجار جديدة… تهدّد صورته، ومصالحه، وتاريخه.

وحده ترامب يملك القرار:

لكن العالم يراقب… والمنطقة تتنفس بقلق.