سد العاصي في الهرمل مشروع “عصى” 61 عاماً… أمل مؤجّل اصطدم بالحرب والعشائرية والبيروقراطية

0
137

في زاوية منسية من البقاع الشمالي، وتحديداً على ضفاف نهر العاصي في الهرمل، كان يُفترض أن تقوم قصة نجاح إنمائي تُكتب بمياه هذا النهر، حيث يقف “مشروع سدّ العاصي” شاهدا على 61 عاماً من التخبّط والتأجيل، والتجاذب السياسي. مشروع إنمائي ضخم وُضع على الورق منذ الستينيات، حلم به الأهالي، ورُسمت له الخرائط، ولكن لم يُنجز منه سوى الوعود المتكررة.

انطلقت فكرة المشروع عام 1964، عندما بدأت المفاوضات الأولى بين لبنان وسوريا حول تقاسم مياه نهر العاصي، الذي يتدفق بعناد عبر الحدود اللبنانية-السورية. في تلك الفترة، قام مكتب الدراسات الهندسية الإنكليزي BENNIE PARTNERS  بإجراء مسوح طبوغرافية دقيقة وأعمال تفصيلية لسد نهر العاصي، فوضع الخرائط اللازمة وخطط أقنية الري الرئيسية وشبكات توزيع المياه.

وقد اقتُرح بناء سد بالقرب من الهرمل، ليكون بمثابة بحيرة تتسع لـ38 مليون متر مكعب، قادرة على ري حوالى 6000 هكتار وتوليد كهرباء بقدرة تصل إلى 12 ميغاواط. ولكن نظراً إلى الخلافات المحتدمة على توزيع الحصص المائية والكهربائية بين لبنان وسوريا، ومع بداية الحرب الأهلية اللبنانية، توقفت الأعمال في  المشروع.
يُختصر تنفيذ السد بثلاث مراحل:
أولاً- بناء سد تحويلي على مجرى نهر العاصي عند مستوى “عين الزرقاء”.
ثانياً- إنشاء نفقين:
–  نفق مشترك للري وتوليد الطاقة الكهربائية في اتجاه منطقة الهرمل.  
–  نفق آخر في اتجاه أراضي القاع.
ثالثاً- إنشاء شبكات توزيع المياه في منطقتي القاع والهرمل.

الخطط تتكدّس… والمياه تهدر
عام 1994، وقّع الجانبان اللبناني والسوري اتفاقاً يُفترض أن ينهي النزاع حول الحصص المائية. لكن التنفيذ ظلّ معلقاً، وبدأت الأعذار تتراكم.

فقد أجرت شركتان الدراسات الهندسية، وبلغت كلفة المشروع التقديرية حينها نحو 50 مليون دولار، لكن الخلافات بقيت تطفو حول جدول توزيع المياه والكهرباء، وتحديداً من سيملك القرار النهائي في إدارة السد.

المفارقة أن وزارة الطاقة اللبنانية حدّدت متوسط تدفّق مياه العاصي بـ448 مليون م³ سنوياً، بينما ذهب الجانب السوري إلى أرقام أقل، واعتبر أن السد سيؤثر على الأراضي الزراعية السورية. وبينما أصرّت بعض الجهات اللبنانية على المضي في المشروع ولو أحاديا، طالبت سوريا بتقاسم كهرباء السد وتوزيع المياه وفقاً لمعادلات لم تُحسم.

بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم 42 في 27/07/2004، تمت الموافقة على المناقصة المتعلقة بالمرحلة الأولى للمشروع لبناء سد تحويلي على مجرى نهر العاصي عند مستوى “عين الزرقاء”، والتي رست على شركتين لبنانية وصينية، بقيمة 27,074,991 دولاراً أميركياً، على أن تكون مدة التنفيذ محددة بـ22 شهراً.

من الحلم إلى التعثر، أقرّت صفقة تنفيذ المشروع في تاريخ 23/08/2004، وأعطي أمر المباشرة في 12/10/2004. سار التنفيذ وفق الجدول الزمني المخطط له، وبدأ المتعهد أعماله من المرحلة الأولى لبناء سد تحويلي، حتى دهمته الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز 2006، ولم ينجُ المشروع، فأُصيبت مواقع العمل، وخصوصاً القسم الأول من السد، بالقصف الإسرائيلي المباشر. بعد يومين فقط، أبلغ المتعهد الاستشاري بتوقف الأشغال، وفي 29/09/2006 قدّم تقريراً يُقدّر الأضرار والخسائر بـ898,223 دولاراً أميركياً.

رغم ذلك، استأنف المتعهد العمل في 31/10/2006. لكن التحديات لم تتوقف، فقد تعرض المشروع وتجهيزاته والعاملون فيه لتعديات واستفزازات مستمرة من بعض الأهالي، ما أعاق التنفيذ مجدداً.

في 08/02/2007، أرسلت الإدارة ملفاً بالأضرار إلى الهيئة العليا للإغاثة، ومن ثم طالب المتعهد في 10/08/2007 باتخاذ إجراءات لمنع التعديات، لكن الاستجابة كانت شبه معدومة. ومع استمرار الأزمة، طُلب من المتعهد إعادة الموقع إلى ما كان عليه قبل العدوان، إلا أنه ردّ بأن ذلك ليس ضمن التزاماته التعاقدية، ويحتاج إلى بنود جديدة.
التعويضات بقيت حبرا على ورق، حتى بعد مطالبة وزير الطاقة الهيئة العليا للإغاثة بصرف حوالة مالية عن الأضرار، بقي الملف في أدراج البيروقراطية. في موازاة ذلك، تقدّم المتعهد بمراجعتين أمام مجلس شورى الدولة، طالباً تعويضات بقيمة تفوق 11 مليون دولار نتيجة الأضرار والتأخير والإساءات المعنوية.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا