فِي ٱلرَّابِعِ مِنْ آبَ سَنَةَ ٱلْفَيْنِ وَعِشْرِينَ، ٱهْتَزَّتْ بَيْرُوتُ عَلَى وَقْعِ إِنْفِجَارٍ هَائِلٍ، هُوَ مِنْ أَفْظَعِ ٱلْإِنْفِجَارَاتِ ٱلْغَيْرِ نَوَوِيَّةِ فِي ٱلْعَالَمِ.
صَوْتٌ صَاخِبٌ تَرَدَّدَ فِي ٱلْآفَاقِ، وَدِمَاءٌ نَقِيَّةٌ رَوَتْ تُرَابَ ٱلْوَجَعِ، وَعُيُونٌ فَارَقَتِ ٱلْحَيَاةَ، وَقُلُوبٌ تَكَسَّرَتْ مِنْ هَوْلِ ٱلصَّدْمَةِ. فَوْقَ ٱلْمِئَتَيْنِ شَهِيدٍ، وَآلَافُ ٱلْجَرْحَى، وَمِئَاتُ ٱلْآلَافِ مِنَ ٱلْمُتَضَرِّرِينَ، وَدِمَارٌ شَامِلٌ لِقُلْبِ ٱلْعَاصِمَةِ.
وَبَعْدَ ٱلْفَاجِعَةِ، ٱنْطَلَقَتِ ٱلتَّحْقِيقَاتُ، وَتَشَعَّبَتِ ٱلرِّوَايَاتُ، وَتَكَاثَرَتِ ٱلتَّفْسِيرَاتُ، لٰكِنَّ ٱلْحَقِيقَةَ بَقِيَتْ غَائِبَةً، وَٱلْعَدَالَةُ مَعَلَّقَةً.
مَرَّتِ ٱلْأَيَّامُ، وَٱلْجِرَاحُ مَا زَالَتْ نَازِفَةً، وَٱلْأُسَرُ ٱلْمَكْلُومَةُ مَا زَالَتْ تَبْحَثُ عَنْ جَوَابٍ، فِي زَمَنٍ أَصْبَحَ فِيهِ ٱلصَّمْتُ جُدْرَانًا، وَٱلْإِفْلَاتُ مِنَ ٱلْعِقَابِ قَاعِدَةً.
وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ يُعَادُ فَتْحُ مِلَفِّ ٱلْقَضِيَّةِ، تَتَجَدَّدُ ٱلْآلَامُ، وَتَنْبُضُ ٱلذِّكْرَيَاتُ، وَتَتَجَدَّدُ مَعَهَا ٱلْمُطَالَبَةُ بِٱلْحَقِّ، وَبِٱلْكَشْفِ عَنِ ٱلْحَقِيقَةِ ٱلضَّائِعَةِ.
فَذِكْرَى ٱنْفِجَارِ ٱلْمَرْفَإِ لَيْسَتْ مُرُورًا فِي ٱلتَّقْوِيمِ، بَلْ جُرْحًا فِي ٱلْوُجْدَانِ، وَنِدَاءً مُسْتَمِرًّا لِلْعَدَالَةِ، لِأَنَّ ٱلْكَرَامَةَ ٱلْوَطَنِيَّةَ تَفْرِضُ ٱلْحَقَّ، وَلَا تَقْبَلُ ٱلنِّسْيَانَ.
وَإِنْ رَقَدَ ٱلشُّهَدَاءُ فِي ٱلثَّرَى، فَصَوْتُهُم مَا زَالَ يُنَادِي:
لَا نَنْسَى… وَلَا نَدَعُ ٱلْحَقَّ يُدْفَنُ فِي ٱلرَّمَادِ.
صَلَاةٌ فِي ذِكْرَى ٱنْفِجَارِ مِرْفَإِ بَيْرُوت
ٱللَّهُمَّ، يَا إِلَهَ ٱلْحَقِّ وَٱلْعَدْلِ،
فِي هٰذَا ٱلْيَوْمِ ٱلْأَلِيمِ نَرْفَعُ إِلَيْكَ صَرْخَةَ ٱلْقُلُوبِ ٱلْمَجْرُوحَةِ.
ٱذْكُرْ يَا رَبُّ شُهَدَاءَ ٱلْوَجَعِ،
وَكُنْ سَنَدًا لِكُلِّ أُمٍّ تَبْكِي، وَلِكُلِّ وَلَدٍ تَيَتَّمَ، وَلِكُلِّ مَنْزِلٍ تَدَمَّرَ.
نُصَلِّيكَ يَا سَيِّدَنَا،
ٱمْنَحْنَا قُوَّةَ ٱلصَّبْرِ وَثَبِّتْنَا فِي طَرِيقِ ٱلْحَقِّ،
وَلَا تَدَعْ نَفْسَنَا تَسْقُطُ فِي يَأْسِ ٱلنِّسْيَانِ.
أَقِمْ يَا رَبُّ قُضَاةً يُحِبُّونَ ٱلْعَدْلَ، وَصَوْتًا يُفَضِحُ ٱلظُّلْمَ،
ٱللَّهُمَّ، بِرَحْمَتِكَ ٱلْوَاسِعَةِ، ٱمْنَحِ ٱلْغُفْرَانَ لِكُلِّ مَنْ كَانَ سَبَبًا فِي هٰذِهِ ٱلْفَاجِعَةِ، أَوْ أَخْفَى ٱلْحَقَّ وَتَجَاهَلَ ٱلْأَلَمَ. وَٱفْتَحْ قُلُوبَهُمْ لِلتَّوْبَةِ وَٱلرُّجُوعِ إِلَيْكَ.
ٱجْعَلْ ٱلرَّمَادَ زَرْعًا، وَٱلْخُرَابَ نَهْضَةً،
وَبَيْرُوتَ… فَوْقَ ٱلْأَلَمِ، شَاهِدَةً عَلَى ٱلرَّجَاءِ!
آمِينَ.






