نايلا شهوان
في مثل هذا اليوم من عام ١٩٩٠، طُويت صفحة دامية من تاريخ لبنان الحديث، حين انتهت “حرب الإلغاء” وسقطت آخر معاقل الشرعية في قصر بعبدا. يومها، انقسم اللبنانيون بين من رأى في ١٣ تشرين “نهاية مرحلة”، ومن رآه “بداية وعيٍ جديد”، فيما بقيت الجراح مفتوحة في ذاكرة جيلٍ كامل عاش الهزيمة بكل تفاصيلها.
كان ١٣ تشرين رمزًا للثبات في وجه الهيمنة، ولرفض الوصاية، ولإصرار فئة من اللبنانيين على حماية ما تبقّى من حلم الدولة الحرة المستقلة. لكنه أيضًا حمل في طياته وجع الفقد، ودموع الأمهات، ومصير مئات العسكريين الذين دفعوا ثمن الصراع الأكبر من لبنان نفسه.

واليوم، بعد أكثر من ثلاثة عقود، يعيش لبنان ١٣ تشرينًا جديدًا، لكن هذه المرّة في جنوبه المقاوم.
الجنوب، الذي يقف اليوم على خط النار، يجسّد مجددًا معاني الصمود والتحدي، في وجه آلة الحرب والعدوان.
هي نفسها الأرض التي قاومت بالأمس، وتقاوم اليوم، دفاعًا عن الكرامة والسيادة والحق.
وكأنّ القدر كتب على لبنان أن يواجه تاريخه مرارًا، وأن يُختبر في كل جيل بدماء أبنائه وإيمانه بوجوده.
اليوم، يجد لبنان نفسه مرة جديدة في قلب معادلة إقليمية معقّدة، تتشابك فيها المصالح والضغوط والرسائل العابرة للحدود.
كما في ١٣ تشرين 1990، يقف اللبناني أمام امتحان السيادة والقرار الوطني، بين من يدعو إلى التهدئة حفاظًا على ما تبقّى من استقرار داخلي، ومن يرى في الصمود واجبًا وطنيًا في وجه العدوان.
الاختلاف أنّ لبنان اليوم ليس ساحة حربٍ داخلية كما كان بالأمس، بل ساحة مقاومة ضد عدوّ خارجي يختبر وحدة اللبنانيين وقدرتهم على تجاوز الانقسامات.
وفي ظل غياب الدولة القادرة على فرض رؤيتها الشاملة، تبقى التضحيات هي التعبير الأصدق عن نبض الوطن، وعن وطنٍ يُعاد ترسيم وجوده بالدم لا بالبيانات.
ورغم كلّ ما يحمله المشهد من خوفٍ ودمار، يبقى في ١٣ تشرين درسٌ لا يشيخ:
أنّ لبنان، مهما انكسر، يعود في كل مرة من رماده، أقوى بإيمانه، وأغنى بتضحيات أبنائه






