دولٌ عدة تمّت دعوتها لقمة شرم الشيخ، لكن روسيا لم تُدعَ، مما أثار استغرابًا روسيًا عبّر عنه وزير الخارجية سيرغي لافروف، في لقاء حضرته “المدن”.
فموسكو تشجّع الاتفاق بين حماس وإسرائيل، وتصفه بأنه “أفضل الممكن ضمن الخيارات المتاحة”، لكنها، في الوقت نفسه، تعرب عن عدم يقينها من إمكانية صموده طويلًا، وتعتبر أن الطرفين بلغا “نقطة النهاية” في هذه الجولة من الحرب.
روسيا، المؤيدة لخطة ترامب، تؤكد استعدادها الكامل لأي جهد يخدم السلام، لكنها تبدو منزعجة من قيادة الولايات المتحدة للمشهد الدولي، ومحاولتها فرض نفسها كقوة وحيدة في العالم.
وفي وقت ترى فيه روسيا، ومعها الصين وإيران ودول أخرى، أن عصر القطب الواحد قد انتهى، وأن العالم بات متعدد الأقطاب، تؤكّد على أنه على الغرب أن يُقِرّ بذلك.
وفي هذا السياق، تعطي مثالًا عن دول الخليج العربي، التي تحوّلت إلى قوة اقتصادية مؤثرة في القرارات الدولية، مؤكّدة أن على الغرب أن يدرك أن نمط الحكم والسيطرة الذي ساد في بداية الألفية لم يعُد قابلًا للاستمرار.
رسائل دبلوماسية مشفّرة
بدبلوماسيتها المعهودة، توجّه موسكو رسائل متعددة الاتجاهات، أبرزها تأكيد حضور روسيا ودورها السياسي والعسكري، وعلاقاتها الاستراتيجية في المنطقة.
ورغم الإشادة بما حققه ترامب، تشدّد على أن الخطة الأميركية تفتقر إلى التفاصيل الضرورية، خصوصًا فيما يتعلّق بمصير الضفة الغربية.
وفي هذا السياق، وتحديدًا في محور قضية الدولة الفلسطينية، تعتبر أن بعض التنازلات قد تكون ضرورية عند تحديد حدود هذه الدولة، لكن إنشاء بلديات في الضفة ليس حلًا كافيًا.
وتُذكّر العرب بأنها ليست المرّة الأولى التي تُعقد فيها مثل هذه القمم… في إشارة إلى تكرار المبادرات الفاشلة.
وتُشكّك موسكو في إمكانية التوصّل إلى تسوية مستدامة في غزة، وتشير إلى أن آمال السلام في المنطقة قد تبددت مرارًا في العقود الأخيرة، مع التأكيد أن القضية الفلسطينية لا تختصر بخطة ترامب أو بأي مبادرة منفردة، بل تحتاج إلى حل شامل يراعي الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
لبنان حاضر… ورسالة روسية واضحة
لم يغب لبنان عن التفكير الروسي، رغم ابتعاد موسكو نوعيًا عن قضاياه.
فيجيب وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف على سؤال “المدن” حول التحديات في المنطقة، في ظل خرق إسرائيل للاتفاقات الدولية، وما يحدث في جنوب لبنان، بالإضافة إلى ملف الإعمار.
ويؤكّد ضرورة تنفيذ قرارات مجلس الأمن، وفي طليعتها القرار 1701، مشدّدًا على ضرورة انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، بالتزامن مع عودة حزب الله شمال الليطاني، في إشارة إلى التوازن المطلوب.
وهنا، يلفت “الدب الروسي” إلى أن “خرق الأجواء اللبنانية محظور قانونًا”، ولا يمكن السكوت عنه.
وهناك الكثير من بنود الاتفاق الدولي التي لا تُطبّق، ويُلتزم فقط بالقليل منها.
بدا الدبلوماسي الروسي متعاطفًا مع الشعب اللبناني، الذي “عانى كثيرًا ويستحق الازدهار”، مشيرًا إلى أن لبنان، الذي كان يُلقّب بـ”جنيف الشرق”، تحوّل إلى بلد تسحقه الأزمات، وأبدى استعداد روسيا للمساعدة في مختلف المجالات. فهل تلقى دعوته آذانًا صاغية من الدولة اللبنانية؟
سوريا: أولوية روسية مستمرّة
أما سوريا، أبرز اهتمامات روسيا في المنطقة خلال العقود الأخيرة، فتؤكّد موسكو أن علاقتها بقيادتها الجديدة جيدة، وسيكون هناك تعاون في الأيام المقبلة. وحسبما علمت “المدن”، فإن حضور الرئيس السوري أحمد الشرع للقمة كان أساسيًا.
ولكن روسيا، وفي معرض حديثها عن الملف السوري، تتذرّع بالدواعي الإنسانية لحماية وقبول لجوء الرئيس السوري السابق بشار الأسد، كي لا يلقى مصيرًا كالقذافي. وتنفي موسكو، نفيًا قاطعًا، أن يكون قد تعرّض لمحاولة اغتيال بالسم، كما أشاعت بعض وسائل الإعلام.
ويبدو واضحًا أن دورها في الملف السوري لن تتخلى عنه، فهو نافذتها على البحر المتوسط، وتعدّه في إطار أمنها القومي.
ترامب يخطف الأضواء… روسيا لم تقل كلمتها بعد
خطف ترامب وهج القمة العربية–الروسية، وأجبرها على تغيير موعدها، وحلّ مكانها “بطلًا” في شرم الشيخ، وإلى جانبه قادة من مختلف الدول.
لكن روسيا، رغم انشغالها بتداعيات حربها في أوكرانيا، لا تزال ماضية في نضالها لكسر الأحادية القطبية. ويبقى السؤال مطروحًا:
هل ستنجح روسيا في جذب استثمارات عربية جديدة تدعم خطتها الاستراتيجية للعودة إلى واجهة التأثير الدولي، كما كانت أيام الاتحاد السوفياتي؟






