خاص: بسام ن ضو – كاتب وباحث سياسي
إنّ أبواب العلم السياسي يُدرج في سُلَّمْ أولوياته مشاكل السلطة وطبيعتها وحدودها ، وهي في حـدِ ذاته معرض إهتمام المفكرين والباحثين ومراكز الأبحاث ، دونما إغفال مشاكل أداء السلطة وعلاقاتها مع الداخل ومع المحيط سواء أكان إقليميًا أو دوليًا . الظاهـر أنّ السلطة في لبنان بتركيبتها الحالية المُطعمّة برعيل ميليشياوي وأخر مخضرم مؤلف من مفكرين وعسكريين تُحاول أن تستمد مشروعيتها من الدستور إلاّ أنها على ما يبدو تصطدم ب”الرعيل الميليشياوي ” القابض على كل مراكز القرار الرسمية المدنية والعسكرية وهذا الأمر ولّـدَ في المفهوم والنوعية السياسية أخطار جمّة لا داعي لذكرها بكونها لُبْ المشكل .
على ما يبدو إنّ مراكز الأبحاث التي تتُابع عن كثب واقع السياسة اللبنانية لناحية الإلتزام بالقوانين وحُسنْ الإختيار والأداء يتأكد لها أنّ هذا الأداء يُهمِـل القوانين الأساسية وبعض المُتسلّطين يلعبون الأدوار المهمّة في فرض القيود على الوسائل المتّبعة للمحافظة على وضع أمني هَشْ يخدم مصالحهم لأنّ الإستقرار السياسي والأمني يٌُقوِّض تحركاتهم .
وفق العلم السياسي إنّ وجـود دولة تُحكَمْ وفقًا للأصول الدستورية تُحرِّرْ الشعب من القلق على أوضاعه وأملاكه وحقوقه، وفي الحقيقة إنّ الإلتزام السياسي السليم لأداء المسؤولين يبعثْ على الإطمئنان لأنّ الشعب يتأكد في حالة إختراق القانون من قبل المسؤولين سينال منهم العقاب .
حاليًا تُلاحظ أغلبية مراكز الأبحاث أنّ هناك تهرُبًا من المسؤولية تُنتهج من قبل جـزء كبير من السلطة ،وفي أغلب الأحيان يتُم إستخدامها علمانيًا ودنيويًا للحفاظ على إستقرار وإستمرارية السلطتين السياسية والروحية .
وليس من باب الصدفة أن يُتم تحويل اللوم إلى أطراف خارجية لتبرير الفشل وهذا الأمر يَصْرِفْ الإنتباه عن سوء الإدارة السياسية المحلية ، كما أنّ السلطة القائمة إزاء ما يحصل من دمار ممنهج للسياسة اللبنانية ( دستوريًا –أمنيًا – إقتصاديًا – ماليًا – إجتماعيًا )تُطلق وعـود بإصلاحات وتأليف لجـان لإظهار بعض الجديّة لكنها غالبًا ما تكـون من دون نتائج إيجابية .
الإلتزام السياسي وحُسنْ الإختيار والأداء كلها أمـور غير متوفرة على صعيد القراءة السياسية الوطنية ، سياسات خاطئة تتعاقب منذ الإستقلال ( أحداث 48 والمد الفلسطيني إلى لبنان – إتفاقية القاهرة – خيار الميليشيا لا خيار الدولة – الإنقسام العامودي العامودي في السياسة اللبنانية – حرب الأخرين على أرض لبنان –حرب الأخوّة والعمالة – إتفاق الطائف – التدخل السوري المبرمج على وقع المصالح الإقليمية /الدولية – نشأة حزب الله والتدخل الإيراني – المصالح الخاصة ونهج العمالة لدى مسؤولي الصف الأول في الدولة – تجيير الساحة اللبنانية …) كلها عـوامـل دفعت لبنان إلى أسوأ أزمة في تاريخه وبروز خطـر إنحلال الدولة .
يبدو إنّ جزء من النظام السياسي الحالي لم يفقه بعـد حجم هذه الكوارث التي أوقعوا أسلافهم وشركائهم الحاليين البلاد فيها وليس من باب الصُدف القول ” إنّ أركان النظام السياسي الحالي ( رئاسة الجمهورية والمستشارين ، رئيس الحكومة والوزراء ) غير قادر على مواجهة هذه الأزمة خصوصًا بعد أنْ شارف هذا النظام على نهاية سنته الأولى في مواجهة الأحداث لكنه يُعدِّدْ إنجازات وهمية بكل ما للكلمة من معنى ” وهذا ما يدعـو للقول أنّ ” النظام السياسي بات غير قادر على القيام بواجباته وعليه حُكمًا إعادة النظـر بمنظومته السياسية .
في هـذا السياق إنّ حركة الموفدين قائمة ، إلاّ أنّ هناك العديد من المسائل معقّدة للغاية وتتطلب تشخيصًا دقيقًا لواقع الأزمة الأمنية التي تُنذر بعواقب خطيرة ولعدم إمكانية النظام السياسي بحالته الراهنة معالجتها على نحـوٍ فعّال فضلاً عن عـدم وجـود خيارات لدى النظام تُنهي حالة الإضطراب في النظام الأمني وخطره على السلم الأهلي وعلى السلم الإقليمي والدولي .
الملاحظ في هذه المرحلة أنّ هناك خيارات وقرارات تتعارض مع الدستور والقانون حيث لا يمكن لأي مسؤول فرض بعض الخيارات والقرارات الغير دستورية والغير مسؤولة على الدولة والتي تعود بالخطر على أمن وسلامة المواطنين وسيادة الدولة اللبنانية.
السياسة في الجمهورية اللبنانية مساربها دقيقة ومسالكها عويصة وخياراتها في كثير من المواقف غاية في الصعوبة ، لذلك إننا ننصح كمركز أبحاث PEAC قراءة دقيقة لخطـورة الوضع الأمني وإعتماد لغة المنطق ، لأنّ العمـل السياسي هو تغليب الخير على الشر بقدر الإمكان .
لبنان يعيش لحظة تحولات سياسية – عسكرية – إقتصادية – مالية – إجتماعية ، بكل ما تحملها من أثقال وعواقب إنها الحرب التي لا تُقاس بالتقاعس والشعارات والتهرُّب من تطبيق الدستور وقانون الدفاع الوطنـي بل بما تكشفه من عمق التصدُّع والإنكشاف ، إنها اللحظة التي تستدعـي قراءة شاملة نقدية شجاعة صادقة من رئاسة الجمورية ورئاسة الحكومة ورئاسة ملس النوّاب تضع الأمــور في نصابها الدستورية القانونية التي تستظِّـل القرارات الدولية .
الإلتزام السياسي وحُسنْ الإختيار والأداء نقيض الإستمرار في الهروب إلى الأمام بل وقفة تستوجب التوقف أمام خيار الدولة السيّدة الحرّة المستقلة .






