رفعت إسرائيل سقف تهديدها للبنان، وهددت بتسديد ضربات في كل أنحاء لبنان، بما في ذلك بيروت، ما لم يتم التجاوب مع مطلبها في شأن سلاح حزب الله. وتُبقي تلّ أبيب الجبهةَ مع لبنان مفتوحةً في انتظارِ نتائجِ الضغوطِ الأميركيّة على بيروت لمعالجةِ ملفِّ سلاح “حزب الله” وفتحِ مسارٍ دبلوماسيٍّ مع إسرائيل، وسط تقديراتٍ لدى مسؤولين إسرائيليّين بإمكانِ الوصولِ إلى “ترتيبٍ ثابت”. وتبحثُ المؤسّسةُ الأمنيّةُ الإسرائيليّةُ خططًا لمواجهةِ ما تصِفُه “تعاظمَ قدراتِ الحزب”، مع حديثٍ عن توسيعِ نطاقِ الهجمات وتحديثِ “بنكِ الأهداف”، والتركيزِ على الضاحيةِ الجنوبيّةِ لبيروت، والبقاعِ، وجنوبِ لبنان، وصولًا إلى الاستعدادِ “لهجومٍ قريب” بحسب ما تُسرِّبُه أوساطٌ عسكريّةٌ هناك.
وتربطُ تقديراتٌ استخباراتيّةٌ إسرائيليّةٌ تعاظمَ قوّةِ “حزب الله” بثلاثةِ مساراتٍ: تهريبُ السلاح عبر سوريا، بما في ذلك مسالكُ قادمةٌ من العراق، وتهريبُه بحرًا مع إحباطِ بعضِ المحاولات، والتصنيعُ داخلَ لبنان بمساعدةِ خبراءَ إيرانيّين، وفقَ الروايةِ الإسرائيليّة. وتَعُدُّ تلّ أبيب ذلك تمدُّدًا إيرانيًّا خطِرًا، محذِّرةً من تداعياتِه على المصالحِ الأميركيّة. وبالتوازي، يستبعدُ مسؤولون إسرائيليّون نجاحَ أيِّ مسعى سريعٍ لنزعِ سلاحِ الحزب أو إحداثِ اختراقٍ دبلوماسيٍّ حاسم، مع تأكيدِهم أنّهم لن يتجاوزوا التنسيقَ مع واشنطن واشتراطاتِها، وإن ارتفعت أصواتٌ داخليّةٌ تُفضِّلُ الحسمَ العسكريّ.
في المقابل، تصدَّرَ المشهدَ في لبنان طرحٌ سياسيٌّ مباشرٌ يرفضُ توصيفَ أيِّ مسارٍ قادمٍ على أنّه “تفاوض” حول السلاح أو حصرِه، مؤكِّدًا أنّ السلاحَ ليس موضوعَ نقاش. ومنذ اللحظةِ الأولى، وُجِّهت رسائلُ صريحةٌ إلى “الرؤساء الثلاثة”، مع التشديدِ على أنّ موقفَ “حزب الله” ثابتٌ: لا تفاوضَ على السلاح ولا على حصريّتِه.
وتبرزُ أسئلةٌ إلى الدولة: ماذا ستفعل إزاءَ موقفٍ خاطبَها عبر أعلى مرجعيّاتِها ولم يستثنِ أحدًا؟ كيف ستردُّ؟ وهل تمضي فعلًا في مهمّةِ حصرِ السلاح؟ وماذا عن “التفاوض” الذي شدَّد عليه رئيسُ الجمهوريّة أخيرًا؟ ولماذا استُخدمت عبارةُ “رسالةٌ إلى الأخِ الأكبر” في إشارةٍ إلى دولةِ الرئيس نبيه برّي، كما يصفُه الشيخُ نعيم قاسم في أدبيّاته الحزبيّة؟
ميدانيًّا، واصلَ “حزبُ الله” مواجهةً مفتوحةً مع الجيشِ الإسرائيليّ الذي كثَّف ضرباتِه على أهدافٍ عسكريّةٍ للحزب، وترافقت الاعتداءاتُ مع إجراءاتِ إخلاءٍ لمبانٍ مدنيّةٍ في بعضِ المناطقِ الحدوديّة. وفي المقابل، تناولت تقاريرٌ إعلاميّةٌ سيناريوهاتٍ إقليميّةً تشمل سوريا، من بينها مزاعمُ عن ترتيباتٍ أمنيّةٍ ترعاها واشنطن بين دمشق وتلّ أبيب، وحديثٌ عن وجودٍ عسكريٍّ داعمٍ في قواعدَ جوّيّةٍ لِإنجاحِ هذه الترتيبات، بما في ذلك بحثُ مناطقَ منزوعةِ السلاح. ونُسِبَ إلى مسؤولين سوريّين نفيٌ لما يُنشَر عن قواعدَ أميركيّةٍ جديدةٍ داخل البلاد، فيما تستمرُّ البياناتُ المتبادلةُ والتسريباتُ عبر منصّة “إكس” وغيرها.
وتُطرَح مقاربةٌ أمنيّةٌ وقانونيّةٌ تتحدّثُ عن تفكيكِ البُنى العسكريّةِ غيرِ الشرعيّة، ولا سيّما جنوبَ الليطاني، استنادًا إلى مرجعيّاتٍ دوليّة. وترى مصادرٌ إسرائيليّةٌ أنّ ذلك يُعَدُّ عمليًّا إعلانَ حربٍ جديدةٍ على لبنان إن فشلتِ الجهودُ الدبلوماسيّةُ التي تقودُها الولاياتُ المتّحدة. وتُسجَّلُ إشاراتُ تصعيدٍ مُتدرِّجٍ عبر استهدافاتٍ مُنتقاةٍ في الجنوب، قالت هيئةُ الأركانِ الإسرائيليّة إنّها تجري بتنسيقٍ ميدانيٍّ مع الجانبِ الأميركيّ، فيما تتكاثرُ المواقفُ والتعليقاتُ السياسيّةُ عبر المنصّاتِ الرقميّة من دون مؤشّراتٍ إلى اختراقٍ قريب.






