من هو يوري رسنيك المفاوض المدنيّ بين لبنان وإسرائيل ؟

0
39

في الاجتماع الأوّل الذي يضمّ مدنيّين من الجانبين اللبنانيّ والإسرائيليّ ضمن لجنة “الميكانيزم” المعنيّة بمتابعة وقف إطلاق النار في الناقورة، يبرز اسم  يوري رسنيك بوصفه رأس الحربة في الوفد الإسرائيلي، مقابل السفير اللبناني السابق سيمون كرم على الجانب اللبناني. فالحكومة الإسرائيلية كلّفته، عبر مجلس الأمن القومي، بقيادة الوفد المدني إلى هذه المحادثات، باعتبارها خطوة انتقال من الطابع العسكري الصرف إلى طابع تفاوضي أوسع ذي أبعاد سياسيّة – اقتصاديّة.

وتقدّم وسائل الإعلام العبرية يوري رسنيك على أنّه ممثّل مجلس الأمن القومي الإسرائيلي في هذه المفاوضات، و”واجهة” المحاولة الأولى لصياغة إطار للتعاون والعلاقات مع لبنان، ولو تحت سقف هدنة هشة وضغوط دوليّة مكثّفة، مع تركيزٍ خاص على بُعد “الشراكة الاقتصاديّة” التي تحرص عليها حكومة بنيامين نتنياهو في رسائلها العلنيّة..

دبلوماسيّ – أكاديميّ بصناعةٍ أمنيّة

وُلد أوري رسنيك في أوتاوا الكندية عام 1970، وانتقل إلى فلسطين المحتلّة في أواخر الثمانينيّات، حيث خدم بين عامَي 1990 و1993 في صفوف جيش الاحتلال، في سلاح المشاة، قبل أن يتّجه إلى دراسة العلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة في الجامعة العبريّة في القدس.

حصل رسنيك على البكالوريوس فالماجستير، ثم نال عام 2005 درجة الدكتوراه في العلاقات الدوليّة من الجامعة نفسها، بأطروحة عنوانها “ديناميّات الصراع الإقليميّ غير المتكافئ وتطوّر الصبر”، شارك في الإشراف عليها الاقتصادي الحائز جائزة نوبل روبرت أومان.

على المستوى المهني، بَنى رسنيك مسيرته داخل مؤسّسات الدولة العميقة في إسرائيل: شغل سلسلة من المناصب في وزارة الخارجيّة، بينها نائب رئيس البعثة في سفارتي الاحتلال في السنغال وبلغاريا، ونائب القنصل العام في لوس أنجلس، إضافةً إلى مناصب في قسم الشؤون السياسيّة في الأمم المتّحدة.

انتقل لاحقًا إلى وزارة الدفاع، حيث تولّى رئاسة شعبة الشؤون الأمنيّة الدوليّة في الدائرة السياسيّة – الأمنيّة، وكان مستشارًا سياسيًّا لوزير الدفاع.

ما بين 2019 و2021، قاد دائرة تخطيط السياسات والتقييم الاستراتيجي في وزارة الخارجيّة، قبل أن يُعيَّن قنصلًا عامًا لإسرائيل في سانت بطرسبرغ عام 2021..

هذا المسار جعله واحدًا من “المهندسين” المدنيّين للسياسات الخارجيّة والأمنيّة في تل أبيب، قبل أن ينتقل رسميًّا إلى مجلس الأمن القومي، حيث يُقدَّم اليوم في الإعلام العبري بوصفه “رئيس” أو “نائب رئيس” مجال السياسة الخارجيّة في المجلس، وواحدًا من الوجوه المركزيّة في صياغة مقاربات إسرائيل تجاه الحرب على غزّة وملفّ “الأونروا” والحملات الدوليّة لنزع الشرعيّة عن إسرائيل.

إلى جانب العمل الرسمي، يحافظ رسنيك على حضور أكاديمي؛ فهو منتسب إلى “مركز فيدرمان لدراسة العقلانيّة” في الجامعة العبريّة، ويُدرّس “نظرية الألعاب” وتخطيط السياسة الخارجيّة في الجامعة العبريّة وجامعة رايخمان.

ونشر كتابًا بحثيًّا بعنوان “Dynamics of Asymmetric Territorial Conflict: The Evolution of Patience”، بات مرجعًا في دراسات الصراعات غير المتكافئة، إلى جانب مقالات أكاديميّة مشتركة مع باحثين آخرين حول البلقان والصراعات الإقليميّة..

لماذا اختارته تل أبيب لـ”الميكانيزم”؟

تُظهر هذه الخلفيّة المتشابكة، عسكريّة في بدايتها، ثم دبلوماسيّة وأمنيّة وأكاديميّة، لماذا يميل المستوى السياسي في تل أبيب إلى تكليف رسنيك بالملفّات المعقّدة، وبينها اليوم المفاوضات غير المباشرة مع لبنان في إطار لجنة “الميكانيزم”. فهو دبلوماسي محترف، اعتاد العمل في بيئات دوليّة متوتّرة، وفي الوقت نفسه باحث في “العقلانيّة” ونظريّة الألعاب، أي في الحسابات الباردة للمكاسب والخسائر في النزاعات الطويلة.

في المقابل، تَمنحُ إسرائيل عبر اختيار رسنيك إشارة إلى أنّها تريد الإيحاء بجدّيةٍ ما في “المسار المدني” مع لبنان، من دون أن يعني هذا بالضرورة استعدادًا حقيقيًّا لتسوية سياسيّة شاملة، بل محاولة اختبار هوامش التهدئة والتعاون الاقتصادي تحت سقف ميزان قوى عسكريّ لا يزال يميل لصالحه..

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا