تتحدث مصادر لبنانية مطلعة وقريبة من حزب الله عن أن الحزب يمر اليوم بإحدى أدق مراحله التنظيمية والسياسية منذ تأسيسه، في ظل تحولات إقليمية غير مسبوقة، وضغوط مركبة تتقاطع فيها الحسابات الإيرانية، والضغط الأمريكي – الإسرائيلي، والمتغيرات الداخلية اللبنانية، وعلى رأسها ملف سلاح الحزب ودور الدولة.
وبحسب هذه المصادر، فإن الانقسام القائم داخل إيران بين تيار واقعي يسعى إلى التهدئة والانفتاح على تفاهمات مع واشنطن، وآخر متشدد يتمسك بالخط العقائدي التقليدي، انعكس بشكل واضح داخل بنية حزب الله، لا بوصفه انقساما علنيًّا أو تنظيميًّا، بل كخلاف عميق في المقاربات وطرق إدارة المرحلة.
صدى طهران في الضاحية
تؤكد المصادر أن ما يجري في طهران لا يُترجم أوامر مباشرة إلى الحزب، لكنه يحدد “سقف الحركة” والهوامش المتاحة. فبينما يميل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي إلى مقاربات واقعية تفتح الباب أمام التفاوض وتخفيف الضغوط، يبقى القرار الفعلي في الملفات الإقليمية بيد المرشد علي خامنئي والدائرة الضيقة المحيطة به، حيث يُنظر إلى حزب الله بوصفه ورقة إستراتيجية لا يمكن التفريط بها.
ويخلق هذا التباين في الرؤية داخل إيران بيئتين داخل حزب الله؛ الأولى تتعامل مع المرحلة بوصفها مرحلة احتواء وخفض خسائر، والثانية تعتبر أن ما يجري ليس سوى جولة مؤقتة في صراع طويل، لا يجوز خلالها تقديم تنازلات جوهرية.
تياران داخل الحزب
وفق مصادر لبنانية قريبة من الحزب، يمكن الحديث اليوم عن تيارين غير معلنين داخل حزب الله؛ التيار الأول، وهو الأكثر تشددًا، يرفض بشكل قاطع أي بحث في نزع سلاح الحزب أو تسليمه للدولة اللبنانية، ويعتبر أن الضغوط الحالية تهدف إلى انتزاع “آخر أوراق القوة” من يد الحزب. وهذا التيار يدفع باتجاه إعادة بناء القدرات العسكرية والأمنية، ولو بشكل تدريجي وسري، ويرى أن الرد على الانتهاكات الإسرائيلية يجب ألا يُغلق بالكامل، حتى وإن جرى ضبطه ميدانيًّا.
في المقابل، هناك تيار ثانٍ يوصف داخل الحزب بـ”الواقعي”، يرى أن التحولات الإقليمية، ولا سيما سقوط نظام بشار الأسد، وانكفاء خطوط الإمداد التقليدية، إضافة إلى التغير في المزاج الدولي، تفرض مقاربة مختلفة تقوم على الانحناء أمام العاصفة، ولو مؤقتًا. هذا التيار لا يطرح تسليم السلاح دفعة واحدة، لكنه يقبل عمليًّا بتجميده، وبفتح مسارات تنسيق أوسع مع الجيش اللبناني والدولة، تفاديًا لمواجهة شاملة قد تكون كلفتها وجودية.
من يقود الحزب فعلياً؟
تنفي المصادر المقربة من الحزب وجود أي صراع على القيادة أو محاولة انقلاب داخلي، مؤكدة أن الأمين العام للحزب نعيم قاسم هو الممسك الفعلي بزمام الحزب اليوم، ويدير مرحلة انتقالية حساسة عبر إعادة ترتيب الهيكليات التنظيمية والأمنية، وإجراء تعيينات داخلية تهدف إلى تثبيت الاستقرار وضبط الإيقاع.
لكن في الوقت نفسه، لا تخفي المصادر أن لإيران دورًا مباشرًا في توجيه المسارات الكبرى، وأنها حريصة على إبقاء قنواتها مفتوحة مع أكثر من مستوى داخل الحزب. وفي هذا السياق، أثارت زيارة مسؤول الحزب في إيران عبدالله صفي الدين ولقاؤه مستشار المرشد علي أكبر ولايتي الكثير من التساؤلات، حول توقيتها وأهدافها.
صفي الدين.. بديل أم ورقة ضغط؟
بحسب مصادر مطلعة، لا يمكن قراءة دور عبدالله صفي الدين بوصفه بديلًا مباشرًا لنعيم قاسم أو منافسًا على القيادة، لكن الرجل يُعد أحد أهم مفاتيح الحزب في طهران، ويتمتع بعلاقة وثيقة مع دوائر القرار الإيرانية، خصوصًا مع المرشد ومحيطه.
وتشير هذه المصادر إلى أن إبراز صفي الدين في هذا التوقيت يحمل أكثر من رسالة، أولها تأكيد استمرار الدعم الإيراني، وثانيها تذكير الداخل الحزبي بأن طهران لا تزال ممسكة بالخيوط الإستراتيجية، ولا سيما في ما يتعلق بالتمويل والإسناد السياسي. وترى مصادر أخرى أن اسمه قد يُطرح مستقبلًا لتعزيز موقع “خط التشدد” داخل الحزب، إذا ما اتجهت الأمور نحو تسوية واسعة لا ترضي القيادة الإيرانية.
وتلفت المصادر إلى أن أي التيارين في حزب الله غير قادر على حسم القرارات المصيرية بمعزل عن الآخر. فالمتشددون يملكون حق التعطيل والفيتو، بدعم إيراني واضح، فيما يملك الواقعيون قدرة إدارة المرحلة وتخفيف الاحتكاك، مستفيدين من الوقائع الميدانية والضغوط الداخلية.
وتختم المصادر بالقول، إن حزب الله يعمل اليوم على مسارين متوازيين: مسار يحافظ على السلاح كخيار أخير، ومسار يفتح الباب أمام تسويات مرحلية مع الدولة اللبنانية. لكن انتصار أي من التيارين، سيبقى رهن التطورات الإقليمية، ومسار العلاقة الإيرانية – الأمريكية، وحدود ما ستفرضه الوقائع على الأرض في لبنان.
المصدر: ارم نيوز





