خاص – سينتيا عبدالله
كيف تشوش إسرائيل على هواتف اللبنانيين؟
نظام تحديد المواقع العالمي “جي بي إس” هو نظام ملاحة يعتمد على الأقمار الصناعية لتحديد المواقع على كل سطح الأرض، حيث تم تطويره في الولايات المتحدة الأمريكية من قبل وزارة الدفاع في السبعينات. ويتم الاستعانة به الآن في أغلب التطبيقات التي يستعملها الإنسان في حياته اليومية، وعلى جميع مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الأجهزة العسكرية المتطورة.
يتألف الجي بي إس من ثلاثة مكونات:
- الأقمار الصناعية: حيث تدور حوالي 24 قمرًا صناعيًا في مدارات متعددة حول الأرض، وتعمل هذه الأقمار على إرسال إشارات راديوية إلى أجهزة الاستقبال على الأرض.
- محطات التحكم: وهي محطات على الأرض تراقب وتدير الأقمار الصناعية، وتتابعها بشكل دائم وتجري التعديلات اللازمة.
- أجهزة الاستقبال: كالهواتف الذكية، السيارات، الطائرات وغيرها، حيث تقوم هذه الأجهزة باستقبال إشارات الأقمار الصناعية وتحليلها لتحديد الموقع بدقة.
يقوم نظام تحديد المواقع العالمي بقياس الوقت الذي تستغرقه الإشارات للانتقال من الأقمار الصناعية إلى جهاز الاستقبال، فيتمكن الجهاز من حساب موقعه بدقة في ثلاثة أبعاد: الطول والعرض والارتفاع، ما يسهل عملية الملاحة وقراءة الخرائط وغيرها.
إسرائيل، وهي دولة متطورة جدًا عسكريًا، تعتمد بشكل كبير على نظام الجي بي إس في تحديد أهدافها الاستخباراتية والعسكرية. وقد قامت في عدوانها الأخير على لبنان بالتشويش على نظام الجي بي إس في لبنان، حيث أصبح المواطن اللبناني إذا أراد الاستعانة بهذا النظام لتنقلاته اليومية يظهر على الخريطة وكأنه في الأردن أو في عرض البحر أو في مواقع غير منطقية. وحتى تمكنت من تنفيذ عملية “البايجر” وتفجير حوالي 4000 بايجر بكبسة زر.
أسئلة كثيرة أجاب عليها المهندس في المعلوماتية الدكتور علي مدلج، الذي أوضح أن نظام الجي بي إس بدأته أمريكا في عام 1973 لأعمالها العسكرية، ثم قرر الرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريغان أن يتم استعماله في الأمور المدنية بعد مشكلة حدثت في الطيران المدني.
أما عن التشويش الذي تعتمده إسرائيل على هذا النظام في لبنان، فقد أكد مدلج أن العدو يقوم بالتشويش لحماية نفسه من الطائرات المسيرة والصواريخ التي تعتمد على نظام الجي بي إس لتحديد أهدافها، كي لا تصيب هذه الصواريخ أهدافها المحددة.
أما الحل، بحسب مدلج، للمساعدة على حل هذه المشكلة فهو عبر استعمال هوائيات (أنتينات) ضد التشويش أو اعتماد أساليب أخرى غير نظام الجي بي إس لتوجيه الطائرات المسيرة والصواريخ، وهذا أمر ممكن ويُعتمد عليه حاليًا.
أما بالنسبة للمواطن العادي الذي يريد التنقل عبر “جوجل مابس”، للأسف قال مدلج إنه لا حل لهذا الموضوع إلا بالابتعاد عن أماكن التشويش.
وعن إمكانية إسرائيل الاتصال بأي مواطن أينما كان لتحذيره قبل إطلاق غارة أو صاروخ عبر طائرة مسيرة، أكد المهندس مدلج أن نسبة كبيرة جدًا من المواطنين يضعون أرقام هواتفهم على جميع مواقع التواصل الاجتماعي كـ”فيسبوك” و”إنستاجرام” وغيرها، وهناك حتى مواطنون يتداولون بكل سهولة قائمة بجميع مستخدمي “ألفا” و”تاتش”. ومن المحتمل أن يكون العملاء في لبنان قد سلموا هذه القائمة إلى العدو الإسرائيلي، مما يجعل من السهل عليهم التواصل مع أي مواطن بشكل مباشر، موضحًا أن العدو يعتمد على نظام الجي بي إس لتحديد أماكن الناس، ولكن للتواصل معهم، فهو بحاجة إلى هذه القائمة.
أما عن عملية تفجير البايجر التي أودت بحياة العديد من اللبنانيين وتشويه الآلاف، أوضح مدلج أن هذه العملية تختلف عن موضوع الجي بي إس. فهذه المشكلة تنقسم إلى قسمين: القسم الأول عند شراء هذه البايجر التي وصلت مفخخة إلى لبنان من الخارج، والقسم الثاني عندما تم إعادة برمجتها ووضع خوارزميات في الأجهزة التي انفجرت بعد إرسال نص معين.
في الختام، يعتبر نظام تحديد المواقع العالمي من أبرز الابتكارات التكنولوجية التي ساهمت بشكل كبير في تحسين جودة الحياة وتسهيل العديد من الأنشطة اليومية. فبدقته العالية، حدد الملايين من المواقع مما يتيح للمستخدمين التنقل بسهولة. وفوائده عديدة، مثل الملاحة الدقيقة، توجيه المستخدمين إلى أماكن تنقلاتهم، وتتبع المواقع والأشخاص. أما سلبياته فهي الاعتماد المفرط عليه مما أدى إلى تراجع المهارات الملاحة التقليدية، وعدم دقة الإشارة والمخاوف الأمنية، وهذا ما يحدث في لبنان المخترق من إسرائيل، الأمر الذي يثير قلق جميع المواطنين على خصوصيتهم وأمانهم. وإن كانت تستخدمها لتحذيرهم من التفجيرات والاغتيالات.