خاص- لبنان بعد الحرب: الآثار البيئية قد تستمر لعقود بسبب التدمير واستخدام الأسلحة السامة – وائل حميدان يوضح التحديات البيئية التي تواجه البلد.

0
39

خاص – سينتيا عبدالله

فيما بدأ الحديث يدور حول مرحلة ما بعد الحرب، تُطرح أسئلة كثيرة في الأفق… إعادة الإعمار، البنية التحتية، البطالة، القطاع الصحي، وطبعًا البيئة، خصوصًا بعض الضربات التي تلقاها لبنان بالفوسفور والنظائر النووية. كيف سيتمكن لبنان من طمر الردميات بعد الحرب؟ وما هو مصيره البيئي بعد الحرب؟ الحرب لها تأثيرات مدمرة على البيئة، حيث تتسبب في تدمير الأماكن الطبيعية وتدهور الموارد. خلال فترات النزاع، تستخدم الأسلحة الثقيلة والمواد الكيميائية التي تؤدي إلى تلوث الهواء والمياه والتربة. الحياة البرية تتأثر أيضًا بشكل كبير، حيث يتم تدمير الحياة الطبيعية مما يؤدي إلى انقراض بعض الأنواع وتهجير أخرى، بالإضافة إلى تدهور البنية التحتية، مما يصبح من الصعب على المجتمعات المحلية التعافي بعد انتهاء النزاع. التأثيرات البيئية للحرب تمتد أيضًا إلى ما بعد انتهاء النزاع، حيث تحتاج المناطق المتضررة إلى سنوات طويلة للتعافي، مما يعيق جهود التنمية المستدامة.

كل هذه العوامل يشهدها حاليًا لبنان الذي يتعرض لعدوان عنيف من قبل إسرائيل منذ أيلول الماضي. فلم تتوقف الغارات الجوية والمدفعية على أرض الجنوب وبيروت والبقاع ولا ليوم واحد. فما مصير بيئة هذا البلد الذي تتغنى بحيويته وأشكاله العديدة؟

هذه التساؤلات أوضحها لنا وائل حميدان، الناشط في المجال البيئي، والذي أكد لصوت الأرز أن الآثار البيئية للحرب كبيرة جدًا ولكن لا تقارن بالخسائر البشرية. وقف الحرب ضروري جدًا للحفاظ على حياة الإنسان بالدرجة الأولى ومن ثم الآثار الأخرى مثل البيئة. وأوضح حميدان أن من الناحية البيئية، الأثر الأكبر للحرب يأتي من الردم الكبير الذي نتج ولا يزال ينتج بشكل يومي.

وأشار حميدان إلى أنه للتخلص بطريقة سليمة من هذا الردم الذي يعتبر نفايات خاصة، يتطلب عملية تتضمن عدة مراحل. أولاً، علينا دراسة هذه النفايات لمعرفة ماذا تتضمن وخصوصًا لتحديد وجود أي مواد سامة أو خطرة. ثانيًا، علينا فرز هذه النفايات وإعادة تدوير ما نستطيع تدويره، وخصوصًا المعادن. وأخيرًا، علينا أن نجد أماكن آمنة لطمر هذه النفايات بطريقة سليمة بيئيًا.

وأضاف حميدان إلى أن هذه العملية الطويلة ليست سهلة، وتتطلب تمويلًا كبيرًا، ونقاشًا مطولًا، وقبولًا من المجتمع المحلي الذي عليه أن يقبل طمر النفايات في منطقته. لنعطي مثالاً عن صعوبة هذه العملية، فحتى الآن لم يتم الاتفاق على طريقة للتخلص من الردم الناتج عن انفجار مرفأ بيروت.

ولفت حميدان إلى أن الأثر البيئي لهذا الدمار سوف يزداد أيضًا بعد الحرب عندما تبدأ مرحلة إعادة الإعمار، ويمكن أن يكون هذا الأثر أكبر بكثير من الآثار البيئية خلال الحرب. فإعادة الإعمار ستتطلب استخراج مواد أولية وتصنيعها ونقلها واستخدامها، وهذا سيزيد من مشكلة الكسارات في لبنان وتدمير الطبيعة وانبعاث الغازات السامة وغيرها. لذلك، الضرر البيئي لهذه الحرب قد يستمر على مدى عقود.

بدأ البيئيون بمناقشة الآثار البيئية للحرب منذ بدايتها، ولكن ليس هناك إحصاءات دقيقة لهذه الآثار لتقييمها ومعالجتها بطريقة شاملة بسبب عدم قدرتنا على القيام بأي دراسة ميدانية خلال الحرب. وتحاول بعض المؤسسات تقدير حجم الضرر الموجود من خلال صور الأقمار الصناعية، ولكن هذا ليس كافيًا لوضع خطة شاملة للموضوع. لذلك، معظم النقاشات هي نظرية وهدفها تعريف الجوانب المتعددة والموسعة للآثار البيئية للحرب، مثل زيادة كمية النفايات والصرف الصحي بكميات كبيرة في المناطق التي زادت أعداد سكانها بسبب النازحين، وأصبحت تفوق البلديات المحلية على استيعابها ومعالجتها بطريقة سليمة.

وأكد أن البنك الدولي قدّر كلفة الآثار البيئية للحرب حتى نهاية شهر أيلول بـ 221 مليون دولار أمريكي، ولكن هذا التقدير لم يشمل الآثار البيئية الأوسع للحرب وكلفة الآثار البيئية لمرحلة إعادة الإعمار.

حتى الآن، تم التركيز بشكل رئيسي على الضرر البيئي الناتج عن استخدام قنابل من الفوسفور الأبيض التي تسمم التربة والمياه وتؤدي إلى أمراض متعددة. وتم نشر عدد كبير من المقالات حول الموضوع. وأوضح حميدان أن معالجة الآثار البيئية للفوسفور أمر صعب، ويتطلب جرف كمية كبيرة من التربة والأراضي المشبعة بهذه المادة. فهي تعتبر حاليًا تربة سامة وخطيرة لا يستطيع لبنان معالجتها مما يتطلب تصديرها.

إن لم يتم القيام بهذه المعالجة، يمكن أن يبقى الفوسفور الأبيض في التربة لمدة عقود مما يؤثر على الزراعة والتنوع البيولوجي وصحة الإنسان، خصوصًا أن تسرب الفوسفور إلى المياه الجوفية والسطحية.

مصير لبنان البيئي أسود حاليًا، خاصةً وأن الحرب والغارات مستمرة بدون توقف. فكيف سيتمكن هذا البلد المنهار اقتصاديًا وسياسيًا من النهوض؟ وما مصير صحة اللبناني في ظل هذه الظروف الصعبة؟

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا