خاص: انطوني الغبيرة
أهم التغييرات المؤثرة على المجتمع هو مرسوم التجنيس الذي له أثر سكّاني على النسيج العام؛ والدولة عليها إيجاد بدائل لمأوى الأفراد الذين لا يستطيعون العودة، عليها حفظ كرامة كل الناس واستيعاب صدمة وقف إطلاق النار والدمار.
عودة النازحين يترافق مع غصّة … التغيير الديموغرافي في لبنان ليس بسبب الحرب!
صمود الشعب اللبناني بوجه العدوان وإرادته أكبر من الوجع الذي يرافقه على مرّ السنوات. اليوم ومع إنتهاء الحرب نعيش الواقع ونحصد الخسائر. فبين مناطق مهدّمة ودماء الشهداء ونازحين لم يجدوا سقف يأويهم تبقى العبرة في بناء مستقبل أكثر إستقراراً.
فهل إنتهاء الحرب أوقف خطر التغيير السكاني المناطقي، أو إنّ الحروب رغم خطرها لا تؤدي الى تغيّر ديموغرافي؟ وماذا عن تضامن الشعب اللبناني؟
في حديثٍ خاص ل”صوت الأرز” أشار الدكتور في علم التاريخ والكاتب والباحث الإستراتيجي “ايلي الياس” الى أنّ لبنان عانى من تغيراتٍ ديموغرافية في الحرب العالمية الأولى وهزة ديموغرافية خلال الحرب العالميّة الثانية والحرب الأهلية، سواء من وفيات أوهجرة أوتغيير مناطقي. وأهم التغييرات المؤثرة على المجتمع هو مرسوم التجنيس الذي له أثر سكّاني على النسيج العام؛ وهنا نلاحظ أن مرسوم الهراوي اكثر تأثيراً من الحروب. منذ الأزمة الإقتصادية الأخيرة في لبنان والثورة وانفجار المرفأ، وصولاً الى اليوم معاناة لبنان الكبيرة ليس بارتفاع نسبة الوفيات فحَسب بل الهجرة سواء المؤقتة او الدائمة.
وأكّد الياس أنّ آخر تعداد سكاني في لبنان هو منذ العام 1932 لذا لا يوجد معطيات ديموغرافيّة دقيقة! فالإحصاء الرسمي للسكان يجب أن تقوم به الدولة اللبنانية مع الأمم المتحدة لمعرفة التقسيمات الديموغرافيّة الحقيقيّة. فهناك ما يقارب نصف مليون زيجة مختلطة في لبنان ما يدلّ على أنّ العيش المشترك موجود وبقوّة وفصل هذا المجتمع غير متاح بسهولة بالرغم من وجود زيجات كثيرة مختلطة.
وتابع: “ليس هناك مشكلة كبرى بين اللبنانيين كونهم يريدون دولة قانون ومؤسسات وعندما يكون هناك رخاء إقتصادي يصبح التوازن الديموغرافي متاح، فليس هناك مشاكل جوهرية في لبنان بل هناك مشاكل جانبيّة سببها الأساسي غياب منطق الدولة”.
تعدد الطوائف ضمن مساحة جغرافيّة محددة وتدخلات خارجية كبرى هي التي أدّت الى إنقسامات طائفيّة بحسب الياس. فالحرب الأهلية في لبنان بدأت طائفية واصبحت في النهاية حرب الآخرين على أرضنا. الإستقرار السياسي والنموّ الديموغرافي والحكم الذاتي كما جرى في متصرفية جبل لبنان وفي عهد الإنتداب وفي المرحلة الذهبية الأولى بعد الإستقلال مثلاً. غير أنّه مع نشوء الكيان الإسرائيلي تأثر إستقرار الشرق الأوسط ولبنان بطبيعة الحال، إذ سعى اليهود الى نقل العنصرية للبلدان المجاورة ممّ أنعش الخلافات الطائفية.
بدوره أشارعضو المرصد الشعبي لمكافحة الفساد المحامي “علي عباس” الى أنّ مرحلة ما بعد انتهاء الحرب التي نتج عنها دمار لقرى بأكملها وضرب البنى التحتيّة من كهرباء، مياه، إتصالات حتى دمار مباني البلديات ودوائر الدولة، إلخ. فهناك قرى وبلدات خالية من مقومات الإنماء الحقيقي ويلزمها وقت لإعادة الإعمار. المرحلة اليوم هي الأصعب بسبب عدم قدرة جميع الأفراد والعائلات للعودة الى منازلهم.
وأكمل، كان الهدف الأساسي إنهاء الحرب، كون الدمار ازداد يوماً بعد يوم. رغم العودة الى ديارهم والزحمة، لن يستطيع جميع الأفراد العودة الى منازلهم كالمقيمين في الضاحية الجنوبيّة، لأن معظم الأبنية التي لم تهدم هي متضررة وتشكّل خطر على سلامة سكّانها. ناهيك عن التلوث من الجوّ الى التربة وحرق الأشجار وهذا سيؤثر على كيفية عودتهم.
أمّا خطورة الوضع تكمن بعدم تأقلم الأفراد مع المرحلة الجديدة والبحث عن بديل لتأمين الأمن والإستقرار لعائلاتهم، بالمقابل هناك أفراد متمسكين بأرضهم لو مهما كان الثمن. بالوقت الحالي عودة الأفراد هي تدريجية، التغيير الديموغرافي ليس ظاهراً بسبب توقف الحرب. ولكن سنشهد تغيير جزئي مع الأفراد الذين يسكنون مناطق تدمّرت كلياً.
عبّاس أثنى على أهميّة وقف اطلاق النار وارتباطه بالمدارس، فالحلّ البديل عليه أن يترافق مع دمار المدارس في المناطق التي تمّ قصفها. لذا الأولوية عليها أن تكون اليوم لتعليم التلاميذ، فلا يمكن المخاطرة بالعِلِم، إذ يجب على الدولة إيجاد بدائل لمأوى الأفراد الذين لا يستطيعون العودة، عليها حفظ كرامة كل الناس واستيعاب صدمة وقف إطلاق النار والدمار. من سيساعد ومن سيتكفّل بالإعمار بشكل شفّاف لإعادة الأمور الى مسارها الصحيح ولملمة أوجاع الشعب؟