ترأس المدبر البطريركي للروم الملكيين الكاثوليك في بعلبك الهرمل المطر ان أدوار ضاهر القدس الإلهي في كنيسة القديستين بربارة وتقلا في مدينة بعلبك، بمناسبة عيد القديسة بربارة، وعاونه الأب مروان معلوف، الأب شربل طراد، والنائب الأسقفي في مطرانية بعلبك الأب يوسف شاهين، في حضور رئيسة دير جبولة الأخت جوسلين جمعة، مديرة مدرسة راهبات القلبين الأقدسين في بعلبك ديما شبيب، وحشد من أبناء الأبرشية.
ضاهر
وقال المطر ان ضاهر في عظته: “أيّها الأحبّاء، أشكر الله على نعمة اللقاء بكم، في هذه الرعيّة المباركة، رعيّة القدّيسة بربارة، التي نحتفل بعيدها اليوم، خاصة بعد الأحداث الأليمة التي عصفت ببلدنا الحبيب لبنان، وبمنطقة بعلبك وجوارها. في هذا اليوم المبارك، نجتمع معا في كنيسة القديسة الشهيدة بربارة التي تحمل اسمها، لنستذكر حياتها العظيمة وإيمانها الراسخ. ولدت القديسة بربارة عام 284، في زمن كان فيه الاضطهاد ضد المسيحيين في أوجه، واستشهدت عام 305 على يد والدها نفسه، بعد أن رفضت عبادة الأصنام، وأعلنت بكل شجاعة إيمانها بالمسيح المخلص”.
وأشار إلى أن”بربارة، تلك الشابة التي عاشت في قصرها الفاخر، لم تكتفِ بملذات الحياة، بل بحثت عن الإله الحقيقي. وعندما عرفته، حطمت كل الأصنام في حياتها وأعلنت إيمانها دون خوف. رفضت إغراءات الوالي ومحاولاته لجعلها تتراجع عن تكريس حياتها للمسيح، وكانت مستعدة للشهادة من أجله، حتى على يد أقرب الناس إليها”.
وتابع: “نحن مدعوون اليوم لنتأمل في حياتها ونتعلم منها الشجاعة في مواجهة أصنام عصرنا. ولنسأل أنفسنا: ما هي الأصنام التي تسيطر على حياتنا المعاصرة؟ هل هي عبادة الجسد والانسياق وراء الشهوات؟ هل هي التعلق بالمظاهر الزائفة وقلة الحشمة؟ هل هي الأنانية وعبادة المال على حساب العدل والمحبة؟ هل هي فساد الحكام والمسؤولين والتباري في سرقة المال العام؟ أم هي القسوة وغياب الرحمة وشن الحروب على الأبرياء؟”.
ورأى أن “دعوة القديسة بربارة لنا اليوم هي أن نحطم هذه الأصنام ونعود إلى الإيمان الصادق بالله، إلى المحبة الحقيقية التي تجسدها الحياة المسيحية”.
وقال: “جميعنا يعلم أن لهذا العيد تقاليد وعادات شعبيّة تناقلها المسيحيّون منذ أجيال وأجيال، ومنها عادة التنكّر بلبس الأقنعة. التنكّر بلبس الأقنعة هو أن يُخفي المرء وجهه الحقيقيّ بوجه مستعار بحيث لا يعود يعرفه من يراه، والتنكّر بالتالي هو أن يخفي المرء حقيقته ويُظهر للناس حقيقة أخرى غير صحيحة”.
أضاف: “إنّ المسيحي مدعو إلى أن يتنكّر، إلى أن يلبس قناعًا، لكنّ هذا القناع ليس إلاّ يسوع المسيح عينه كما يقول لنا الرسول بولس: “أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم”، وكما يقول لنا المسيح نفسه: “من أنكرني قدّام الناس فإنّي أنكره قدّام أبي الذي في السماوات” (متّى 10: 33)، أي إنّ الذي يلبس وجهًا ويُظهر للناس وجهًا غير وجه المسيح فإنّ المسيح لن يُظهر وجهه لله، أي لن يتعرّف عليه ولن يعترف به قدّام الله”.
وأكد أن “عيد الشهيدة بربارة مناسبة نرجع فيها إلى ذواتنا لنرى ما الوجه الذي نرتديه، ما القناع الذي نضعه على وجوهنا، ماذا نُخفي عن الناس وماذا نُظهر للناس. إنّ عيد البربارة يسألنا هل نحن صادقون، نسلك بشفافية، نقول للنعم نعم وللاّ لا، أم نحن كاذبون مخادعون مراؤون، لنا وجهان، وجه باطنيّ ووجه خارجيّ”.
تابع: “عيد الشهيدة بربارة فرصة نرجع فيها إلى ذواتنا لنرى خصوصًا هل نحن نلبس وجه يسوع أم وجهًا آخر، هل نعكس صورة يسوع أم صورة غيره، هل نستبدل وجهنا بوجه يسوع أم بوجه آخر؟ هل فكّرنا يومًا أن نسعى لكي نضع على وجهنا قناعًا هو وجه الشفيع الذي نحمل اسمه؟ وبتعبير آخر، هل فكّرنا أن نقتدي بسيرة هذا القدّيس الذي سُمّينا باسمه ونطلب شفاعته؟ اليوم عيد الشهيدة بربارة، فلنحاول أن نتأمّل في سيرتها البطوليّة، أن نستشفّ روحانيّتها العميقة، أن نستقرىء إيمانها القويّ. على هذا النحو نكون لبسنا وجهها واحتفلنا حقًّا بعيدها”.
وتقدم “بالمعايدة من الأرشمندريت يوسف شاهين النائب الأسقفي العام، ومن كاهن الرعية الأب مروان معلوف. ومن الأخوات الراهبات وكل من يحمل اسم القديسة بربارة أو يطلب شفاعتها، ومن المجلس الراعوي والجوقة وأبناء الرعية، ومع المعايدة نشكر الله على توقف الحرب العنيفة التي مرت على بلدنا لبنان، وخصوصًا على منطقتنا ومدينتنا بعلبك، راجين أن يحل السلام في قلوبنا، وفي العالم أجمع، كما نصلي لأجل راحة نفوس الشهداء الأبرياء الذين ضحوا بدمائهم الطاهرة، ونتضرع من أجل الشفاء العاجل لجميع الجرحى والمتألمين الذين يعانون من تبعات هذه الحرب. لنتذكر كلمات السيد المسيح: “أنتم نور العالم. أنتم ملح الأرض. من أراد أن يتبعني فليحمل صليبه كل يوم”.
وختم: “عالمنا اليوم بحاجة إلى مؤمنين شجعان، مستعدين أن يكونوا شهودًا حقيقيين للمسيح، الذي هو الطريق والحق والحياة. شفاعة القديسة بربارة فلتكن معنا، ولتكن حياتها مثالاً نحتذي به في إيماننا اليومي .والشكر الكبير لله تعالى أبي الأنوار الذي منه كلّ عطيّة صالحة وكلّ هبة كاملة. آمين”.