قررت محكمة فرنسية في 15 تشرين الثاني الماضي، وضع نهاية لمأساة جورج إبراهيم عبد الله، اللبناني الذي أمضى أكثر من أربعين عامًا في السجون الفرنسية.
ومن المتوقع أن يُسمح له بمغادرة الأراضي الفرنسية يوم الجمعة المقبل، بعد أن أصبح عمره 73 عامًا. وقد قضى عبد الله ما يقارب نصف حياته في سجن “لانميزان” في جبال البيرينيه، الذي يقع على بعد 120 كيلومترًا من مدينة تولوز الفرنسية، منذ اعتقاله في 24 تشرين الاول 1984 بناءً على طلب أميركي.
جورج إبراهيم عبد الله، الذي وُلد في بلدة “القبيات” في قضاء عكار شمال لبنان، تم اعتقاله من قبل السلطات الفرنسية بعد ملاحقة له من قبل عملاء “الموساد” وبعض اللبنانيين في مدينة ليون الفرنسية.
وقد برر القضاء الفرنسي اعتقاله بحيازة أوراق ثبوتية غير صحيحة، حيث كان يحمل جواز سفر جزائري استخدمه، رغم أنه كان يحمل جوازات سفر أخرى، منها لبناني ومغربي ومالطي ويمني.
منذ اعتقاله، تم وضع عبد الله تحت الحجز بموجب طلب أميركي، حيث تم توجيه إليه عدة تهم تتعلق بالإرهاب، ووجهت له محاكمة في عام 1986 تم خلالها الحكم عليه بأربع سنوات من السجن بتهمة حيازة أسلحة ومتفجرات بطرق غير مشروعة. في وقت لاحق، أُعيد التحقيق معه وحكم عليه بالسجن المؤبد بسبب ضلوعه في اغتيال دبلوماسيين اثنين، أحدهما إسرائيلي والآخر أميركي، في عام 1982، بالإضافة إلى محاولة اغتيال أخرى. رغم إصراره على إنكار التهم، ظل عبد الله وراء القضبان طوال هذه الفترة.
على مدار السنوات، كانت هناك العديد من المناشدات من منظمات حقوقية في فرنسا وخارجها للمطالبة بالإفراج عن عبد الله. من بين هذه المنظمات كانت الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان، الاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام، والجمعية الفرنسية-الفلسطينية للتضامن، إضافة إلى مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان. هذه الجهات طالبت بشكل مستمر بإطلاق سراحه على الرغم من مرور السنين الطويلة على سجنه.
قبل اعتقاله، كان جورج إبراهيم عبد الله مناضلاً سياسيًا نشطًا في صفوف الحركة الوطنية اللبنانية منذ السبعينيات. انضم إلى صفوف الحزب الشيوعي اللبناني، ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وشارك في تأسيس تنظيم الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية. كما قاتل إلى جانب المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث أصيب في عام 1978 خلال الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان.
في خطوة مفاجئة، قررت المحكمة الفرنسية في نوفمبر الماضي أنه سيتم السماح لعبد الله بمغادرة السجن يوم الجمعة المقبل، 6 كانون الاول 2024، بعد أن أمضى أكثر من 40 عامًا في السجون الفرنسية. ومع تقدمه في السن، يثير هذا القرار تساؤلات حول مستقبل عبد الله بعد مغادرته السجن، حيث من المتوقع أن يتم ترحيله إلى لبنان، حيث قد يروي تفاصيل جديدة عن القضايا التي حكم بسببها.
لقد أثار قرار المحكمة الفرنسية موجة من الجدل في الأوساط السياسية والحقوقية، حيث يرى البعض أن هذه الخطوة تمثل نصراً لحقوق الإنسان، بينما يراها آخرون خطوة متأخرة وغير كافية بعد سنوات من السجن. في حين تتصاعد المخاوف من ردود الفعل السياسية على الساحة اللبنانية والإقليمية، فإن هذا القرار قد يحمل في طياته تداعيات تتجاوز قضية عبد الله نفسه، ليشمل العلاقات الفرنسية-اللبنانية، بالإضافة إلى تأثيراته على الحركات السياسية في لبنان والمنطقة.