*زيارة هوكشتاين الى بيروت :بين الضمانات الامنية واستعادة*

0
6

زيارة عاموس هوكشتاين إلى لبنان، التي تُحيط بها التكهنات والتسريبات، تعكس قلق واشنطن المتزايد حيال التوترات في المنطقة ورغبتها في ترسيخ دورها كوسيط أساسي وضامن للاستقرار، خصوصاً في جنوب لبنان. هذه الزيارة تأتي وسط حركة دبلوماسية كثيفة تشمل وفوداً سعودية وفرنسية بارزة، ما يُوحي بوجود أجندات متشابكة، بعضها مرتبط بالاستحقاق الرئاسي اللبناني، وبعضها الآخر يتعلق بالملف الأمني وتطبيق الاتفاقيات الأخيرة.

ورغم النفي الأميركي لأي انخراط مباشر في تسمية مرشحين للرئاسة اللبنانية، إلا أن توقيت هذه الزيارة يعزز الاعتقاد بأن واشنطن تحاول الموازنة بين دعم الاستقرار الأمني ودفع القوى السياسية اللبنانية نحو إنهاء حالة الفراغ الرئاسي التي طالت لعامين. مع ذلك، تُظهر تصريحات هوكشتاين ومصادر مقربة منه أنه يركز على الحفاظ على التزامات الاتفاق الأمني الأخير، لا سيما فيما يتعلق بسحب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة جنوباً، وتسليم السلاح غير الشرعي إلى الجيش اللبناني، وإنهاء أي وجود عسكري خارج نطاق الدولة.

محور القلق الأميركي: “اتفاق التجميد المؤقت”
من الواضح أن هوكشتاين يسعى لتأمين استمرارية اتفاق تجميد العمليات العسكرية وتحويله إلى وقف دائم لإطلاق النار، وهو ما يتطلب معالجة الخروقات الإسرائيلية المتكررة التي أثارت مخاوف من انهيار الاتفاق. واشنطن ترى في نجاح هذا المسار اختباراً لمصداقيتها في لعب دور الوسيط القوي، خصوصاً مع تصاعد نفوذ أطراف إقليمية مثل إيران وروسيا، التي قد تستغل أي فراغ أميركي لتعزيز حضورها في المنطقة.

ويُدرك هوكشتاين أيضاً أن التحدي الأكبر يكمن في إلزام الأطراف اللبنانية، خاصة “حزب الله”، بتنفيذ البنود المتعلقة بتسليم الأسلحة الثقيلة، وضبط الحدود مع إسرائيل. كما أنه يعوّل على دور اللجنة الخماسية بقيادة الجنرال الأميركي جاسبر جيفيرز لتقديم تقارير دقيقة وضمان تطبيق الاتفاق دون تراجع، وهو أمر يواجه عقبات حقيقية بالنظر إلى هشاشة الوضع السياسي والأمني في لبنان.

المخاطر والتحديات الإقليمية
بالإضافة إلى التركيز على لبنان، يبدو أن واشنطن قلقة من أن تؤدي أي انتكاسة في تنفيذ الاتفاق جنوباً إلى تصعيد إقليمي يمتد إلى سوريا والعراق، ما يُعقّد جهودها في الحد من التوترات. وتخشى أيضاً من أن تفشل الجهود الدبلوماسية الحالية في احتواء النفوذ الإيراني المتزايد عبر وكلائه في المنطقة، مما قد يُعرّض الهيبة الأميركية لضربة قاسية ويُعزز انطباعاً بتراجع دورها القيادي.

رهان أميركي على الاستقرار مقابل الضمانات
في هذا السياق، يُنظر إلى زيارة هوكشتاين على أنها محاولة أخيرة لطمأنة الحلفاء في لبنان والمنطقة بأن واشنطن ما زالت قادرة على فرض حلول وسطية وضمان التهدئة. لكنها في الوقت نفسه، تُدرك أن إنجاح هذا المسار يتطلب تحقيق توازن دقيق بين الضغوط العسكرية والسياسية، وضمان عدم انزلاق الأوضاع الأمنية في الجنوب إلى مواجهة مفتوحة.

الرسالة الأهم: “هيبة واشنطن على المحك”
ما يميز زيارة هوكشتاين هو إدراكه لحساسية المرحلة، حيث بات يُنظر إلى نجاح أو فشل المهمة كاختبار لمصداقية الولايات المتحدة في الوفاء بتعهداتها. فهو يسعى لإظهار أن واشنطن ما زالت الطرف الأقوى القادر على ضبط التوازنات، خاصة مع بدء العدّ التنازلي لخروج إدارة بايدن من البيت الأبيض.

لذلك، يُنظر إلى هذه الزيارة على أنها ليست مجرد متابعة لاتفاق أمني، بل أيضاً جزء من محاولة واشنطن استعادة زمام المبادرة في الشرق الأوسط، وإثبات أن حضورها لا يزال حاسماً في مواجهة التحديات الإقليمية المتصاعدة