نوال نصر – نداء الوطن – يا لهولِ مشهد انتهاء حياة إنسان، مليء بالحياة، برصاصتين واحدة في البطن وثانية في الرأس، بين الأنف والعين، وأن تتبعه عبارة: رحمه الله. جورج روكز، الشاب الآدمي، أبو لوي وإدوين، الذي تمنح ابتسامته أملاً للمحيطين به، انتهت حياته برصاصتين. وتتالت عبارات التعزية: الله يرحمك يا جورج. فهل نطوي الصفحة – كما اعتدنا من زمان- بحجة أنها حادثة سرقة وقتل أم علينا لزاماً السؤال: هل مسموح بقاء السلاح متفلّتاً بين الأيادي؟ جورج روكز رحمك الله. أما المجرم علي حسن عون فليس مجرد حالة فردية بل حالة سادت من زمان وزمان في البلد تحت عناوين كثيرة بينها: أن السلاح زينة الرجال… لعن الله السارق والفاسد والقاتل… ماذا في تفاصيل جريمة ضبيه؟
كانت الساعة تقترب من السابعة. الظلام تسلّل وحان موعد إقفال المعرض. غادر العمّال وحصل ما حصل. قبيل ذلك، كان جورج روكز، صاحب أحد معارض السيارات في ضبيه، قد اتّصل بولديه مُخططاً معهم لزيارة جبال الألب. ولداه كل حياته. حين يضحكان يضحك. وحين علما أنه حجز التذاكر لذلك ضحك ثلاثتهم كثيراً. كان جورج يحبّ الحياة والصداقة وهو من حدّد أسلوبه في الحياة بعبارة عنون فيها صفحاته على السوشال ميديا: take a risk or lose the chance (خاطر أو اخسر الفرصة). هو هكذا. هو شاب (في السابعة والأربعين) طالما اعتمد مقولة: أقدم على المخاطرة فإذا نجحت أصبحت سعيداً وإذا فشلت أصبحت حكيماً. البقاء في لبنان مخاطرة. تأسيس العمل في لبنان مخاطرة. وشراء أو بيع كل سيارة في لبنان، في ظروف شبيهة بما عاشه لبنان- مخاطرة. هو خاطر… وفي أول أيام الأمل بلبنان جديد قُتل.
ماذا حدث بالتفصيل عصر الرابع عشر من كانون الثاني هذا في معرض Elegant Motors؟
معارض السيارات كثيرة في ساحل المتن الشمالي. وليد فرنسيس، نقيب أصحاب معارض السيارات المستعملة، هو شريك في معرض جورج روكز. وفور حدوث الجريمة اتّصل به العامل في المعرض، الذي يسكن في غرفة مجاورة. فلندخل في التفاصيل. كيف تلقى فرنسيس الخبر؟ ماذا رأى؟ ماذا سمع؟ يجيب “كانت لحظات مرعبة. وحشية لم نشهد مثيلاً لها. هناك سرقات تحدث. إنهم يدخلون إلى معارض السيارات ليلاً ويسرقون المرايا والكومبيوترات والراديوات لكن أن يدخل أحدهم ويقتل ويسرق سيارة ويغادر فهذا أمرٌ لم يسبق أن شاهدناه”. نعود إلى تفاصيل الحادثة “هي لم تكن وليدة اللحظة. المجرم أتى إلى المعرض قبل أسبوعين. جال بين السيارات، تكلم مع روكز، وقال له: دعني أتشاور مع والدي ونقرر. اتّصل والد القاتل- أو من ادّعى أنه والده- مراراً بصاحب المعرض. تكلّما في التفاصيل. وقبل يومين، عاود الاتصال مجدّداً قائلاً: اتفقنا على شراء سيارة “مرسيدس جي كلاس” (سعرها 180 ألف دولار). بعد دقائق، اتّصل القاتل علي حسن عون أيضاً بروكز قائلاً: سأنزل إلى بيروت بسيارة أجرة، أعطيك المال وآخذ السيارة. توافقا على ذلك. عصراً، اتصل المجرم مجدّداً وقال إنه اضطرّ إلى النزول بالباص وهو موجود في منطقة الدورة وقد يتأخر قليلاً. قال له جورج انتظرني. أنا في الجوار وسأنقلك بنفسي. وهذا ما حصل”.
جورج روكز “آدمي”. جميع من عرفوه يجزمون بهذا. وهو مستعدّ دائماً إلى تقديم كل الخدمات إلى الكلّ. لهذا لا يستغرب أحد من حسن تعاطيه مع المجرم حتى الثواني الأخيرة. فلنتابع التفاصيل: “وصل المجرم علي إلى المعرض نحو الساعة السادسة أو أكثر بقليل. وعمد إلى طرح أسئلة ممارساً سياسة الإلهاء. طلب تجربة السيارة مجدداً. جرّبها يرافقه جورج من الضبية إلى الدورة وعادا. حقيبته التي أتى بها، ويفترض أنها تضمّ المال، كانت لا تزال معه. الساعة السابعة إلا ربعاً، مع اقتراب موعد إغلاق المعرض وعند مغادرة العاملين، بيّنت تسجيلات الكاميرات الموزّعة في الأرجاء، أن القاتل جلس قبالة المجنيّ عليه الذي كان على كرسيه، وراء مكتبه. فتح حقيبته وكانت مليئة بثيابٍ ومسدس، فرفعه وأطلق رصاصتين في حين كان جورج منهمكاً في وضع آلة عدّ الأموال. أصابت رصاصة واحدة روكز في بطنه والثانية أصابته في وجهه، بين الأنف والعين. فأسرع المجرم وأخذ مفتاح السيارة وغادر. في تلك الأثناء سقط جواز سفره أرضاً ولم ينتبه إليه”.
عند دوي الرصاصتين، أسرع العامل الذي يسكن في غرفة جانبية إلى مكتب صاحب المعرض فوجده ملقى على الأرض، يسبح في دمه، فهاتف النقيب وليد فرنسيس مردّداً: قوصوا جورج. تقاطر المعارف إلى المكان. اتّصلوا بالمخابرات وبفرع المعلومات، وما سهّل معرفة الفاعل بسرعة وجود جواز السفر. اتّصلت القوى الأمنية بمعنيين في ضيعته للتأكد أن جواز السفر حقيقي لا مزيف. وفور التأكد انتقلت فرقة أمنية إلى منزله حيث كان شقيقه الذي أجبر على الاتصال به وسؤاله من دون ارتباك عن مكانه. وهذا ما حصل. وتبيّن أنه موجود في منطقة “بئر حسن”. انتقلت دورية إلى المكان فرأوه مستحمّاً، ممشط الشعر، يرتدي ثياباً غير تلك التي كان يرتديها حين ارتكب جريمته. بدا في أفضل حال. والسبب، كما بينت التحقيقات الأولية، أنه كان فرحاً بأنه أتى إلى حبيبته بسيارة أحلامها (أرادت مرسيدس جي كلاس لتتزوّجه). خطط وقتل بيد باردة واستحمّ وكأنّ شيئاً لم يكن. وهو الآن موجود في فصيلة أنطلياس حيث تُستكمل التحقيقات.
إسعافات اللحظة الأخيرة
لم يلفظ المجنيّ عليه الحياة على الفور. وصل الصليب الأحمر. حاول عناصره إنعاشه مراراً. قدّموا له كل الإسعافات الممكنة ونقلوه إلى المستشفى حيث فارق الحياة بـ “عمل إجرامي وحشي وبوقاحة” كما وصفه أصحاب معارض السيارات المحيطة. “اقترف المجرم فعلته بيد باردة وبقساوة. جورج روكز ليس غبياً بل فائق الذكاء ولم يكن سهلاً أن ينطلي عليه فعل كهذا. لكن الخطة التي “فبركها” المجرم طوال أسبوعين بدقة عالية لا بُدّ أن تكون وراءها شبكة لا مجرد فعل مجرم ولهان ارتكب ما ارتكبه كرمى فتاة أحلامه”. فلننتظر استكمال التحقيقات.
ماذا بعد؟ السيارة بلا لوحة. فكيف تجرّأ المجرم على الانتقال بها من ضبية إلى بئر حسن وكان يستعدّ إلى الانتقال إلى الجنوب؟ أمرٌ آخر حدث في تلك الليلة يتكلم عنه معارف جورج بحزنٍ: “هل تتصوّرين أنه بعد وفاة صديقنا، ومحاولة المعلومات فتح هاتفه الذي يعمل على بصمة يده للتأكد من تفاصيل آخر ما تضمّن من أسبوعين، تمّ وضع بصمته بعد وفاته عليه”. يخبرون ذلك بحزنٍ واضح.
غداً ستقام مراسم دفن الشاب جورج روكز في مسقط رأسه في عقتنيت (شرق صيدا). “يا ضيعان الشباب”. ولداه لوي وإدوين سيرافقانه حتى المثوى الأخير لا إلى جبال الألب. في المقابل، كل الأمل أن ينتقل ابن بلدة شبريحا (في قضاء صور) علي حسن عون إلى جهنم الحمراء. فما اقترفه كبير وخطير. ولولا سرعة القوى الأمنية في القبض على المجرم في غضون أربع ساعات فقط، لاستخدم الكثيرون الجريمة في التصويب على العهد الجديد. لا، ما حصل سببه السلاح الفالت- المتفلّت- على أمل أن تكون جريمة قتل جورج روكز آخرها.