خاص – التفلّت الأمني في لبنان: ما هدف المجرم من الناحية النفسية؟

0
153

خاص : سينتيا عبدالله

التفلّت الأمني في لبنان: ما هدف المجرم من الناحية النفسية؟

ارتفعت نسبة جرائم القتل في لبنان في الفترة الأخيرة وتعدّدت طرق تنفيذها، بحيث أصبح المجرم يعتمد ابتكارات غير مسبوقة وغير مبرّرة لارتكاب جرائمه، مما دفع الكثير من الحقوقيين والنشطاء للمطالبة بإعادة تفعيل عقوبة الإعدام على أمل تقليص معدل الجريمة.

آخر الجرائم في لبنان كانت في فاريا، حيث ذهب ضحيتها الشاب خليل خليل في عملية دهس متعمّدة من قبل شاب يدعى جوناثان شمعون، وذلك على أحقّية مرور. وقبلها جريمة قتل الأرشمندريت الأرمني أنانيا كوجانيان بداعي السرقة، كذلك الأمر في عملية قتل صاحب محطة بنزين في مزرعة يشوع على يد عاملين سوريين، وجريمة قتل الشاب جورج روكوز بطلق ناري في الرأس بهدف السرقة، وغيرها الكثير من الجرائم التي لا تُعدّ ولا تُحصى، حتى بات أمن لبنان مهتزًّا بشكل خطير ومن دون حسيب أو رقيب.

الأسباب النفسية للجرائم وكيفية الحد منها

أجابت د. فغالي، المتخصّصة في علم النفس، عن هذه الأسئلة، وأكّدت لـ”صوت الأرز” أن سهولة ارتكاب الجرائم مثل القتل من الناحية النفسية قد تكون مرتبطة بعدد من العوامل النفسية والاجتماعية، كوجود اضطرابات نفسية أو عقلية، عدوانية كالسلوك العدواني المفرط، أو نقص التعاطف مع الآخرين. كما يمكن أن تؤثر الظروف المحيطة بالشخص، مثل الضغط أو التوتر المستمر، في قراراته السلوكية.

عوامل تساهم في ارتكاب الجرائم:

• التنشئة الاجتماعية: الأشخاص الذين ينشؤون في بيئات مليئة بالعنف أو الإهمال قد يكونون عرضة لتطوير سلوكيات عدوانية.

• التحفيز البيئي: الظروف القاسية أو الأحداث الصادمة في حياة الشخص قد تؤدي إلى تطوّر سلوكيات عنيفة.

• الانعزال الاجتماعي والضغط العصبي: الافتقار إلى الدعم الاجتماعي والشعور بالوحدة يمكن أن يؤدّي إلى مشاكل نفسية قد تسهم في اتخاذ قرارات خطيرة.

تأثير المجتمع في سلوكيات الأفراد

أكّدت د. فغالي أن للمجتمع تأثيرًا كبيرًا ومهمًّا في تحديد السلوكيات النفسية للأفراد، بما في ذلك تطوّر السلوكيات العنيفة كالقتل، إذ يشكّل المجتمع بيئة تؤثّر في القيم والمعتقدات والفرص التي يتعرّض لها الأفراد، وهذا يمكن أن يعزّز أو يخفّف من التصرفات العدوانية.

العوامل المجتمعية التي يمكن أن تؤثّر في سلوكيات الأفراد تشمل:

• العنف المجتمعي: المجتمعات التي تشهد مستويات مرتفعة من العنف قد يصبح فيها القتل أو العنف بشكل عام سلوكًا أكثر قبولًا.

• الفقر والتمييز الاجتماعي: الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية قد تدفع الأفراد إلى الشعور باليأس أو الغضب، مما يزيد من احتمال حدوث سلوكيات عنيفة.

• مفاهيم الشرف والقوة: المجتمعات التي تعزّز هذه المفاهيم قد تشجّع على استخدام العنف كوسيلة لحلّ النزاعات أو فرض الهيبة، كما هو الحال مع العادات المجتمعية مثل الثأر والصراع القبلي.

• نقص الدعم الاجتماعي: المجتمعات التي تفتقر إلى شبكات دعم اجتماعي أو خدمات صحية نفسية قد تزيد من الشعور بالعزلة أو اليأس لدى الأفراد، مما يرفع احتمال اللجوء إلى العنف.

تفسير علم النفس لسلوك الجناة

يُفسّر علم النفس هذا النوع من التصرفات بعدّة طرق:

• العدوانية الموجّهة: حيث يظهر هذا التصرف عدوانًا مقصودًا لإيذاء الشخص الآخر كردّ فعل على تصرفه السابق، وهو ما قد يكون مرتبطًا بمشاعر الغضب وفقدان السيطرة.

• التبرير المعرفي: يستخدم الجاني مبرّرًا لتصرّفه العدواني، مثل “ليتعلّم درسًا”، مما يساعده على تخفيف الشعور بالذنب أو المسؤولية، كما حصل في جريمة فاريا.

• تشوّهات التفكير مثل لوم الضحية: حيث يبرّر الجاني تصرّفه بأن الشخص الآخر هو السبب فيما حدث، بدلًا من تحمّل المسؤولية عن سلوكه.

• نقص التحكم في الاندفاعات: بعض الأشخاص يعانون من صعوبة في ضبط انفعالاتهم والتفكير قبل التصرف، مما يجعلهم يتصرّفون بشكل متهوّر وعنيف.

• الرغبة في السيطرة والهيمنة: قد يكون للمجرم دافع لإثبات قوّته أو فرض سيطرته على الآخرين، خاصة في سياق الطريق، حيث يرى بعض الأفراد القيادة كامتداد لشخصيتهم أو سلطتهم.

إذا كان هذا التصرف متكرّرًا أو مقترنًا بمشاعر استمتاع بإيذاء الآخرين، فقد يكون مؤشرًا على اضطراب نفسي، مثل اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.

كيفية الحد من هذه الجرائم من الناحية النفسية

أكّدت د. فغالي أن الحدّ من الجرائم يتطلّب عدّة إجراءات نفسية واجتماعية، أهمّها:

• إنشاء مراكز تقدم الدعم النفسي للأفراد لمعالجة الأسباب الجذرية للسلوك الإجرامي.

• تنظيم ورش عمل وحملات توعية حول الصحة النفسية وأهمية التعامل مع الضغوطات النفسية.

• تعزيز المهارات الاجتماعية وتعليم الأفراد كيفية التعامل مع الصراعات وحلّ المشاكل بطرق سليمة وصحية.

• تنمية الوعي العاطفي وتعريف الأفراد على مشاعرهم وإدارتها بشكل صحي.

إن التفلّت الأمني في لبنان يمثّل تحدّيًا كبيرًا يعاني منه المجتمع، فجذور هذه المشكلة تعود إلى عوامل سياسية، اقتصادية، واجتماعية. وإذا تم التعامل مع هذه القضايا بشكل فعّال، فمن المؤكّد أن الوضع الأمني الصعب سيتحسّن، وسنبني مجتمعًا أكثر استقرارًا وأمانًا.