استئجار “الرحم” ظاهرة متفشية في لبنان !؟ ماذا يقول عنها القانون اللبناني ….

0
1120

خاص: اوديت ضو الاسمر

تهديد ثم استغلال وصولًا إلى ارتكاب الجرائم وانتهاك الحرمات.

تأجير الرحم قضية قديمة جديدة، ولو تم تحديث القوانين في حينه لتمت المحاسبة وانزلت العقوبات وعولج الملف منذ أكثر من ١٠ سنوات فتوقفت هذه الظاهرة وعوقب الفاعلون وأُغلق نهائيًا دون رجعة.

فمن المسؤول الأول عن خيبة أمل الزوجين في الحصول على ولد؟ هل هم الأزواج أنفسهم غير المكترثين لأي خطوط حمراء والمستغلين من قبل عصابات طبية وغيرها التي توهمهم بإمكانية اللجوء إلى امرأة حاضنة كوسيلة لتحقيق آمالهم؟

أم أن المسؤولية تقع على عاتق العصابات التي تستغل ضعف النساء اللواتي قست عليهن الحياة فلا يجدن سبيلاً للعيش سوى بيع أجسادهن للاستمرار في الحياة؟

أم أن المسؤولية الأولى والأخيرة تقع على الدولة ورجال القانون الذين لا يقومون بتحديث قوانينهم لمواكبة الجرائم المستحدثة على الساحة الاجتماعية؟

للاجابة على كل هذه الافتراضات أكد مصدر مسؤول لـ”صوت الأرز” أن واقعة استئجار الأرحام أو الأم الحاضنة هي من الأفعال المستجدة في المجتمع اللبناني عموماً وعلى المشرع اللبناني خصوصاً الذي لم يتنبه حتى الآن لهذه الظاهرة التي بدأت بالإنتشار في مجتمعاتنا.
فهل هذا الأمر يشكل جريمة أم لا؟

بداية لا بد من مراجعة مبدأ شرعية العقاب الذي هو أحد المبادئ العامة للقانون الجزائي والذي يتلخص بأن لا جريمة من دون نص ولا عقوبة من دون نص. وقد كرّس المشرع اللبناني هذا المبدأ من خلال النص ان كان في الدستور اللبناني او في قانون العقوبات اللبناني.

فقد نص الدستور في المادة 8 منه على أن: “الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون ولايمكن أن يقبض على أحد أو يحبس أو يوقف إلا وفقاً لأحكام القانون ولا يمكن تحديد جرم أو تعيين عقوبة إلا بمقتضى القانون”.

كما ونصت المادة 6 من قانون العقوبات على أنه: “لا يقضى بأي عقوبة لم ينص القانون عليها حين اقتراف الجرم… يعد الجرم مقترفاً حالما تتم أفعال تنفيذه، دون ما نظر إلى وقت حصول النتيجة.”

وبما أن فعل استئجار الأرحام أو واقعة الأم الحاضنة لم ينص عليها قانون العقوبات اللبناني وبالتالي لم يجرّمها، لذلك لا يمكن اعتبار الفعل المذكور مخالفاً للقانون أو يستحق عقاباً بالمطلق اذا حصل بالموافقة الواعية والمستنيرة لجميع الأطراف ( الأب والأم البيولوجيين والأم الحاضنة و….) مع العلم أنه يوجد عقوبات أخرى ناشئة عن هذا الفعل سنتطرق اليها فيما بعد.

يتبين لنا جلياً من خلال ما تقدم أنه لا يوجد توصيف جرمي لواقعة استئجار الأرحام، ولكن ينشأ عنها تلقائياً اشكالية نسب المولود. فكل من نسب الى امرأة ولداً لم تلده يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة بحسب المادة 492 من قانون العقوبات اللبناني.

إن هذا الأمر هو الغاية النهائية من هذه العملية وهو يستدعي تحرك النيابة العامة تلقائياً لقمع هذه الجريمة و القبض على كل الضالعين فيها من خلال التحقيقات التي تجريها الضابطة العدلية أو لاحقاً التي يجريها قاضي التحقيق.

أما إذا حدثت هذه الواقعة بالإكراه أو التهديد أو الإستغلال فنكون أمام احتمال تصنيفها ضمن الجرائم التالية إذا ما توافرت عناصر الجريمة:

1- الإتجار بالأشخاص:

بحسب الـمادة 586 (1) من قانون العقوبات اللبناني «الاتجار بالأشخاص» هو:

أ.اجتذاب شخص أو نقله أو استقباله أو احتجازه أو إيجاد مأوى له.

ب.بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها، أو الاختطاف أو الخداع، أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف، أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا، أو استعمال هذه الوسائل على من له سلطة على شخص آخر.

ج.بهدف استغلاله أو تسهيل استغلاله من الغير.

لا يُعتدّ بموافقة الـمجني عليه في حال استعمال أي من الوسائل الـمبينة في هذه الـمادة.

يعتبر استغلالا وفقا لأحكام هذه الـمادة إرغام شخص على الاشتراك في أيّ من الأفعال التالية:

أ.أفعال يعاقب عليها القانون.
ب.الدعارة، أو استغلال دعارة الغير.
ج.الاستغلال الجنسي.
د.التسوّل.
ه.الاسترقاق، أو الـممارسات الشبيهة بالرق.
و.العمل القسري أو الإلزامي.
ز.بما في ذلك تجنيد الأطفال القسري أو الإلزامي لاستخدامهم في النزاعات الـمسلحة.
ح.التورط القسري في الأعمال الإرهابية.
ط.نزع أعضاء أو أنسجة من جسم الـمجنى عليه.

إن واقعة استئجار الأرحام لا يمكن تصنيفها إتجاراً بالأشخاص ما لم ينص عليها المشرع صراحةً كشكل من أشكال الإستغلال، ولكن أذا تمت الواقعة بهدف الإسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق فنكون أمام جريمة إتجار بالأشخاص تحت شكل الإسترقاق حتى لو تضمن الأمر حملاً غير مرغوب فيه.

تجدر الإشارة الى أن بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، قد جاء شاملاً ،غير حصري فيما يتعلق بأشكال الإستغلال، إذ نص في مادته الثالثة على ما يلي: “ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء”.

إن ورود عبارة “كحد أدنى” تفتح المجال لشمول الإتجار جميع أنواع الإستغلال بما فيها استئجار الأرحام إذا ما توافرت العناصر المكونة لجريمة الإتجار بالأشخاص.

وهنا، نوصي المشرع اللبناني بتعديل المادة 586(1) من قانون العقوبات لجهة إضافة استئجار الأرحام كشكل من أشكال الإستغلال، خاصةً وإن الضالعين في هذه الجريمة سوف يستغلون حالة ضعف الضحية المادية أو النفسية.

2- التهديد:
يمكن ارغام أحدى النساء على أن تكون أماً حاضنة بواسطة التهديد، وفي هذه الحالة تتم ملاحقة مرتكب جرم التهديد سنداً للمواد 573 الى 578 من قانون العقوبات اللبناني وفقاً لتوافر العناصر المكونة للجريمة.

المادة 573 – من هدد آخر بالسلاح عوقب بالحبس مدة لاتتجاوز الستة أشهر. وتراوح العقوبة بين شهرين وسنة إذاكان السلاح نارياً واستعمله الفاعل.
 
المادة 574 – من توعد آخر بجناية عقوبتها الإعدام أوالأشغال الشاقة المؤبدة أو أكثر من خمس عشرة سنة أوالاعتقال المؤبد سواء بواسطة كتابة ولو مغفلة أو بواسطة شخص ثالث عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات إذا تضمن الوعيد الأمر بإجراء عمل ولو مشروعاً أو بالامتناع عنه.
 
المادة 575 – إذا لم يتضمن التهديد بإحدى الجنايات المذكورة أعلاه أمراً أو تضمن أمراً إلا أنه حصل مشافهة دون واسطة شخص آخر قضي بالحبس من ثلاثة أشهرإلى سنتين.
 
المادة 576 – يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة على التهديد بجناية أخف من الجنايات المذكورة في المادة574 إذا ارتكب بإحدى الوسائل المبينة في المادة نفسها.
 
المادة 577 – التهديد بجنحة المتضمن أمراً إذا وقع كتابة أو بواسطة شخص ثالث يعاقب عليه بالحبس مدة لاتتجاوز الستة أشهر.
 
المادة 578 – كل تهديد آخر بإنزال ضرر غير محق إذاحصل بالقول أو بإحدى الوسائل المذكورة في المادة 209،وكان من شأنه التأثير في نفس المجنى عليه تأثيراً شديداً يعاقب عليه، بناء على الشكوى، بغرامة لا تتجاوز المئةألف ليرة.

اذاً بغض النظر من عدم وجود نص خاص في قانون العقوبات يجرم فعل استئجار الأرحام، يستطيع القضاء اللبناني والضابطة العدلية ملاحقة هذه الأفعال وتقديم المتورطين فيها للعدالة استناداً لما تقدم وتحت مسميات مختلفة حتى في ظل عدم وجود تصنيف جرمي مستقل.