خاص : سينتيا عبدالله
الوضع المالي في لبنان بعد تشكيل حكومة نواف سلام سيشهد تحديات كثيرة نتيجة الأزمات الاقتصادية والمالية المستمرة التي تعاني منها البلاد.
منذ العام 2019، دخل لبنان في أزمة اقتصادية حادة أدت إلى انهيار الليرة اللبنانية وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين. واستمر هذا الوضع مع الحكومات التي توالت في هذه السنوات. أما الآن ومع تشكيل حكومة جديدة، يأمل الكثيرون في أن تتمكن من تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية ضرورية لاستعادة الثقة المحلية والدولية. ومع ذلك، سيواجه الوزراء الجدد، وخاصة وزير المالية ياسين جابر، ضغوطًا كبيرة من الشارع اللبناني الذي سيطالب بتحسين الأوضاع المالية ومحاولة استعادة “أمجاد” الليرة اللبنانية.

يقول الخبير الاقتصادي محمود جباعي لصوت الأرز إن اختيار الأستاذ ياسين جابر كوزير للمالية هو اختيار موفق، فهو من الشخصيات الاقتصادية والمالية التي لديها خبرة واسعة جدًا واطلاع كبير على الشأن اللبناني والشأن العربي والأجنبي. فعلاقاته الدولية والعربية ممتازة كما أن خبرته العملية واسعة جدًا، فهو كان وزيرًا سابقًا، ولديه خبرة في التعاطي مع ملف الوزارات. كما أن خبرته التشريعية عالية كونه كان نائبًا بعدة دورات متتالية، فهو يعلم كيف يتعاطى مع الأمور المالية، بالإضافة إلى خبرته التقنية في إدارة الملفات الاقتصادية والمالية. لذلك، هو خيار مناسب جدًا ويعتبر الرجل المناسب في المكان المناسب، فهذه المرحلة تتطلب إصلاحات ضرورية جدًا وتتطلب محاكاة حقيقية للأزمة والتفكير بشكل معمق مع التعاطي مع المجتمع العربي والدولي.
وأضاف جباعي أن الوزير جابر سينجح في الاستحقاقات المطلوبة منه بما يخص الأمور المالية في البلد وإمكانية إخراج البلد من الأزمة بالتعاون مع باقي الحكومة وأيضًا مع المجلس النيابي. فوزير المال يلعب دورًا مهمًا جدًا في طرح الأمور الأساسية للمعالجة، ولكن هناك حكم يتكون من سلطة تنفيذية متكاملة وأيضًا من سلطة تشريعية متكاملة. بالتالي، إذا تعاون الجميع مع وزير المال فسيتم تحقيق جميع الاستحقاقات.
وعن العناوين الأساسية في الاقتصاد السياسي والاجتماعي المطروحة بعد تشكيل الحكومة، أكد جباعي أن هناك عدة ملفات سيتم طرحها بشكل مستعجل والبدء بتشغيل خطة للعمل بها حتى ولو نُفذت ضمن عمر الحكومة القصير نسبيًا، لأن الانتخابات النيابية ستأتي بعد سنة ونصف، وسيتم انتخاب حكومة جديدة. ولكن هذا لا يمنع الحكومة الحالية من وضع عناوين أساسية للمرحلة المقبلة، والتي تبدأ بإنشاء صندوق لإعادة الإعمار عبر الاتفاق مع المجتمع العربي والدولي من خلال مؤتمر دعم لبنان. ويتم إنشاء لجان مشتركة مع البلدان الداعمة العربية والأجنبية لتمويل هذا الصندوق، على أن تشرف عليه الحكومة اللبنانية وتوزع هي المساعدات وتقوم بإعادة الإعمار وفق أطر واضحة وشفافة من أجل الوصول إلى حل، لأن حجم الدمار بعد العدوان الإسرائيلي كبير جدًا ويتخطى عشرة مليارات دولار. وهذه تكلفة إعادة الإعمار وحدها من دون الخسائر الاقتصادية، وبالتالي فإن هذا الرقم ضخم جدًا ويحتاج أن تبادر الحكومة بإنشاء هذا الصندوق بالتعاون مع الأشقاء العرب والمجتمع الدولي. وهذا يتطلب القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية ومالية للتعاطي بشكل شفاف مع هذا الأمر.
وأضاف جباعي أن الجميع اليوم ينتظر خطة الحكومة لكيفية التعاطي مع ملف الودائع والمصارف، وهو ملف عمره حوالي ست سنوات ولم يتم إيجاد حل له حتى الآن. بالتالي، يجب إيجاد حل لهذه المشكلة ورؤية واضحة شاملة مبنية على إعادة هيكلة المصارف بشكل منطقي، ومن ثم إنشاء خطة واضحة مبنية على توزيع عادل للخسائر. تبدأ الدولة بتحمل مسؤولياتها وتقييم وضعها وأصولها من أجل تثميرها، ويركز جباعي هنا على تثمير هذه الأصول وليس بيعها. ويجب تكبير حجم الاقتصاد وزيادة الإنتاج والناتج المحلي عبر الشراكة مع القطاع الخاص واعتماد جزء من الخصخصة لإطلاق ورشة عمل تؤدي بالتأكيد إلى مضاعفة الناتج المحلي في البلد وزيادة حجم الإيرادات. ومن هذا المبلغ الذي سيزيد يمكن اقتطاع 25% منه لوضعه في صندوق الودائع. أما بالنسبة لمصرف لبنان، فعليه أن يبدأ بتقييم عملي للأزمة ومن ثم الودائع والاحتياطات الأجنبية الموجودة فيه مع تقييم الأصول وغيرها لحل هذه الأزمة، ومن ثم تقييم أصول المصارف.
وأوضح جباعي أن موضوع القطاع العام سيشكل عاملاً أساسيًا مع وزير المال، فالدولة ستطلق مشروعًا كاملاً لإعادة هيكلة القطاع العام، لكن هذا الموضوع بحاجة للوقت. ولكن يجب أن يتم وضع البلاد على السكة للنهوض بالقطاع العام وتصغير حجمه ليتناغم مع حجم إنتاجه وإعادة تكبيره بعد زيادة الإنتاجية والناتج المحلي من خلاله. فاليوم نسبة النفقات العامة لا يجب أن تتعدى 15% من مجموع النفقات في الناتج المحلي، وهذا أمر ضروري للقطاع العام حيث يجب أن يحافظ على حجم محدد، وإعادة الهيكلة تساعد في ذلك. ولكن حتى هذه اللحظة، على الدولة اللبنانية أن تراعي أيضًا موضوع رواتب القطاع العام المتدنية، خاصةً للذين يعملون فعليًا كالقوى الأمنية والعسكرية الذين يحتاجون لتحسين رواتبهم بشكل سريع لأنهم كانوا أكثر إنتاجية في المرحلة السابقة ويستحقون هذا الأمر.
وأضاف جباعي أن على الوزارة الجديدة حلّ مسألة الاقتصاد غير الشرعي، فلبنان بحاجة اليوم إلى محاربة هذا الاقتصاد غير الشرعي والبدء بتفعيل قدرات الاقتصاد الشرعي ودعم المؤسسات الشرعية لكي تدفع الرسوم والضرائب التي يتم الإشراف على عملها. وهذا أمر ضروري جدًا من أجل المطالبة بالخروج من اللائحة الرمادية.






