فارس فتوحي: نجاح الاجتياح يعني بداية حرب أهلية طويلة

0
220

فارس فتوحي – للجمهورية

بعد مرور عام على حرب غزة، يبدو أنّ الشرق الأوسط دخل مرحلة جديدة تتسمّ بالتوتر والحساسية البالغة. في حوار مع فارس فتوحي، يُسلَّط الضوء على تبعات هذه الحرب وتأثيراتها المتعدّدة. إذ يرى فتوحي أنّ إسرائيل، على الرغم من ما حققته عسكرياً، فإنّها تراجعت إلى الوراء سياسياً واجتماعياً، ممّا يعرّضها إلى مزيد من التحدّيات. مشدّداً على أنّ استمرار الصراع بين «حزب الله» وإسرائيل قد يؤدّي إلى كارثة داخلية في لبنان، خصوصاً إذا لم يتمّ التوصّل إلى تسوية سياسية شاملة.

كيف ترى الأمور بعد انقضاء عام على حرب غزة؟

أرى أنّ الشرق الأوسط دخل في مرحلة جديدة دقيقة وحساسة جداً. الإسرائيليّون لا يملكون خطة واضحة، ويعتمدون على آلاتهم العسكرية للتدمير. لم يحقّقوا أياً من أهدافهم في قطاع غزة ولبنان، مثل استعادة الأسرى أو عودة سكان الشمال إلى بيوتهم.

إسرائيل خسرت كثيراً، سواء في علاقاتها العربية التي بنتها في السنوات السابقة، أو في صورتها وسرديّتها في العالم الغربي. صحيح أنّهم دمّروا جزءاً كبيراً من الجنوب وقطاع غزة، لكن هذا لا يؤسّس لأي مستقبل. هم مقبِلون على وَيلات. قد يبدو في الظاهر أنّ إسرائيل حققت إنجازات أمنية وعسكرية كبيرة، لكن في الواقع، هي تراجعت عشرات السنين إلى الوراء، ولا أعتقد أنّ استمراريّتها باتت معقولة.

ألا تعتقد أنّ «حزب الله» يجرّ البلد إلى حرب غير محسوبة؟

قد يختلف جزءٌ كبير من اللبنانيِّين على الخطوة التي اتخذها «حزب الله»، لكنّ الحُكم يأتي في النهاية بناءً على النتائج وبحسب تطوّرات الأمور. الثمن كبير جداً ولا يتحمّله اللبنانيّون، لكنّ المعركة كانت ستحدث في كل الأحوال.

هناك اعتراف بوجود اقتراح في البداية للدخول إلى لبنان، لكنّ زيارة بايدن للإسرائيليِّين كانت لإقناعهم بعدم القيام بذلك. أنا لستُ هنا للدفاع عن أي قرار، فالتاريخ سيحكم في النهاية، والميدان سيقرّر إذا استمر «حزب الله» في منع الإسرائيليِّين من التقدّم وعرقل مخطّطاتهم. عندها سيقدر على فرض شروطه، التي تُعتبَر في مصلحة اللبنانيِّين. يجب أن نتحلّى بالواقعية وأن نتضامن في هذه الأوقات، ولا يجوز التخلّي عن مكوّن لبناني كبير أثناء حربه مع إسرائيل

ما هي السيناريوهات المطروحة؟

هناك احتمالان: الأول هو أن يصدّ «حزب الله» الهجوم الإسرائيلي الكبير باتجاه الليطاني والأولي ويفرض شروطه في المفاوضات. السيناريو الثاني هو أن تدخل إسرائيل إلى الجنوب مع تدمير الأراضي، ممّا يؤدّي إلى نزوح مليونَي شخص وتبدأ المواجهات بين اللبنانيِّين في ظل الوضع الاقتصادي المزري. لا أستبعد أن يحاول الإسرائيليّون جلب جزء كبير من سكان غزة مع «حماس» ومقاتليهم لحل مشكلتهم في القطاع، ممّا يضع اللبنانيِّين أمام واقع ديموغرافي واجتماعي صعب جداً، ويؤدّي إلى حرب أهلية. لذلك، مصلحة لبنان الوحيدة هي أن يقاوم «حزب الله» الدخول الإسرائيلي في الجنوب.

هل تتوقع انتخاب رئيس الجمهورية الآن؟

لا أعتقد أنّ «حزب الله» سيقبل بهذا الأمر، ونعيم قاسم كان واضحاً في إطلالته الأخيرة عندما قال إنّه سيتمّ التحدّث في الأمور الأخرى بعد وقف إطلاق النار. مَن يضمن وصول نواب «حزب الله» إلى الجلسة؟ وكيف يمكن تجاهل مكوّن مُهِمّ في هذه الأوقات الصعبة؟ أنا لستُ ضدّ انتخاب رئيس الجمهورية الآن، وجود رئيس الجمهورية مهمّ جداً، لكن أنت سألتني ماذا أتوقع. أتوقع ألّا يحدث ذلك قبل نهاية الحرب.

هل تعتقد أنّ إسرائيل ستردّ على إيران؟

بالتأكيد، هي سترد لأنّها تشير إلى ذلك كل يوم وأصبحت ملزمة بذلك. السؤال هو: ما تأثير هذا الردّ على الحرب؟ أنا لا أعتقد أنّه سيكون له تأثير كبير، لأنّ إيران دولة كبيرة ذات جغرافيا واسعة، وأي رَدّ لن يؤثر على قدراتها في التدخّل في المنطقة.

بل على العكس، قد يجلب ذلك رداً إيرانياً آخر. وهنا أريد أن أشير إلى موضوع مهمّ، على خلاف ما تقوله وسائل الإعلام عن الردّ الإيراني الأخير، فقد كان كبيراً جداً من ناحية خداعه للقبة الفولاذية. اليوم، تكمن خطورة الموضوع في منظومة الدفاع الإسرائيلي أنّها قد تصبح عاجزة عن اعتراض كل الصواريخ من إيران.

بعد فترة وجيزة، استطاع «حزب الله» قصف مدينة حيفا وسقطت الصواريخ على أبنية مدنية. بالتالي، إذا قرّرت إيران ضرب المناطق المدنية في إسرائيل، فإنّ أكثر من 30 إلى 40% من صواريخها قد تُصيب هناك. هذه كارثة على الفكر الأمني الإسرائيلي.

هل تعتقد أنّ إيران تجري تسوية على حساب «حزب الله»؟

إيران لا تجري تسوية كهذه مع أي طرف، لا مع الإدارة الأميركية الحالية ولا المستقبلية. الركيزة الأساسية للاستراتيجية الإيرانية في المنطقة هي «حزب الله». أي انتكاسة له تعتبر انتكاسة لإيران، وهي ما زالت، كما في 2006، ترسل الخبراء والمال والأسلحة. كل ما يحصل هو ترويج إعلامي مضلّل لإبعاد الجمهور الشيعي عن فكرة أنّ إيران هي دولة داعمة لمقاومته.

كيف ترى مستقبل لبنان بعد هذه الأحداث؟

إذا التزم لبنان بمسار المفاوضات، فهناك العديد من الأمور الإيجابية التي أراها في المستقبل، خصوصاً إذا صعد فريق ديموقراطي في الولايات المتحدة يُفضّل التعاون في الشرق الأوسط كركيزة للسياسة الخارجية الأميركية.

إذا تحقّق الاتفاق النووي بعد الحرب وعند السلام، فإنّ الإدارة الجديدة ستكون لمصلحة لبنان. ستكون هناك شراكة بين الولايات المتحدة وإيران والمملكة العربية السعودية، التي أصبحت عنواناً للاقتصاد في الشرق الأوسط.

اللبنانيّون يجب أن يستفيدوا من هذه اللحظة وينتخبوا رئيساً قادراً على التحرّك وإعادة ربط لبنان بالعالم بأسره. هناك فُرَص مهمّة للشباب اللبناني، وأتوقع أن يعود جزء كبير منهم للعمل والاستثمار في البلد.

على اللبنانيِّين أن يتحلّوا بالأمل، فهذه ليست المرّة الأولى التي نواجه فيها حرباً مؤلمة. هذا هو تاريخنا، وعلينا التحلّي بالصبر وعدم الانزلاق نحو مواجهات داخلية. بهذا نكون قد أنقذنا وطننا من خطر الانزلاق في حرب أهلية خطيرة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا