خاص -١٤ آذار: تأسيس، نضال، وإخفاق

0
81

خاص : بسام ضو

في البدء تأسستْ حركة سياسية مناهضة لإستمرار الوصاية السورية على الجمهورية اللبنانية والتي كانتْ مغطّاة من المجتمع الدولي الذي فشل في مراحل سابقة في مقاربة الإستحقاق الرئاسي خلفًا للرئيس أمين الجميل ولا بُـدّ من تذكير القارىء الكريم ما قاله السفير الأميركي في حينه بعد فشل المفاوضات وتعنُّتْ الأفرقاء المسيحيين ” مخائيل الضاهر أو الفوضى”. تمدّدتْ الفوضى وشملت بدايةً إجتياح المناطق الشرقية بعد رفض العماد عون أكثر من مبادرة كانتْ تتضمّن مشاركته في الحكومة بموجب وعد إعطاءه وزارات معينة قاد هذه المفاوضات السفير الفرنسي في حينه السيد بول بلان ، كما لا بد من التذكير بجريمة مقتل المهندس داني شمعون ، وما تلاها من إعتقالات طالت خيرة الشباب المقاومين وفي طليعتهم الدكتور سمير جعجع حيث أدْخِلَ السِجن بتهم ملّفقة وأُبْعِد العماد ميشال عون عقب عملية 13 تشرين التي أسفرت عن سقوط كل المناطق اللبنانية تحت سيطرة نظام الأسد ، وهنا لا بُدّ من التذكير بالعديد من الإتهامات التي طالت مسؤولين في الجبهة اللبنانية ومنهم على سبيل المثال (مناضلين في صفوف حزب حراس الأرز – وأحكام بحق رئيس الحزب) – شباب القوات اللبنانية – الكتائب… ) ، إضافة إلى العديد من الجرائم التي إرتكِبتْ ومنها جريمة إغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري (تمنّي على القارىء الكريم مراجعة ما كتبَ عن هذه الجريمة وخصوصًا ما صدر مؤخرًا بقلم الأستاذ باسم السبع ” لبنان في ظلال جهنم” ليتسنى له معرفة نوايا السوريين العدوانية تجاه أي مرجعية وطنية تُخالفهم الرأي “).
إزاء هذه المرحلة السوداء من تاريخ اللبنانيين النضالي وفي العلن أنشأتْ حركة أطلقَ عليها “قوى 14 أذار ” وهي حركة سياسية ضمّت قوى وشخصيات سياسية لبنانية وكان الهدف الرئيسي إخراج الجيش السوري من الأراضي اللبنانية وذلك بمبادرة من قوى ومرجعيات لبنانية تقيم في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وكانت باكورة هذا النضال قانون محاسبة سوريا وتلاه القرار 1559 الذي أفضى إلى خروج النظام السوري من لبنان . نضال قوى 14 أذار له العديد من الأهداف ومنها على سبيل سرد بعضها : إنهاء وصاية النظام السوري – وحدة الشعب اللبناني سياسيًا – إقالة رؤساء الأجهزة الأمنية الذين ترأسوا هذه الأجهزة إبان الوصاية السورية – إجراء إنتخابات نيابية حرة بعيدة عن أي تدخل – إنشاء لجنة تحقيق دولية في إغتيال رئيس الوزراء اللبناني – قيام دولة لبنانية تعتمد على المؤسسات والقانون – نهضة إقتصادية – إبتعاد لبنان عن التدخل في شؤون الغير .
نجح اللوبي اللبناني – الأميركي المؤثِّرْ في العاصمة الأميركية وبالتعاون مع لوبي لبناني – أوروبي في تحقيق إنسحاب الجيش السوري من الأراضي اللبنانية وكما ذكرنا كان هذا الأمر بدعم وغطاء من اللوبي اللبناني – الأميركي وبتفهم الإدارة الأميركية للواقع السياسي المستجد في الجمهورية اللبنانية . حاول ناشطو 14 أذار تكريس الديمقراطية فكرا وممارسة وسوّقوا للمحكمة الدولية وللآلية المفترض أن تسلكها لكشف جريمة الإغتيال ، كما ألزموا سوريا بإستحداث سفارة في الجمهورية اللبنانية وكانت المرّة الأولى التي يرضخ فيها النظام السوري .
أحد أهم الإخفاقات التي حصلت إما عن جهل أو عن عدم إستدراك أنّ بعض قوى 14 أذار خاضوا الإنتخابات النيابية في العام 2009 ، بالتنسيق مع منظمة حزب الله في بعض المناطق وكان الشعار في تلك المرحلة ” منع الإحتقان المذهبي ” ، لتصل هذه القوى بعد إنتهاء الإنتخابات على وقع نتائجها إلى مواجهة عنيفة وشديدة من حزب الله وبالتنسيق مع العماد ميشال عون. وهنا نستطيع القول أنّ هذه القوى لم تكن تتمتع بالبعد الفكري والشمولي بل فاتها أنّ العماد عون طامع للرئاسة منذ العام 1989 ولم يُوفق لا داخليًا ولا إقليميًا ولا دوليًا ، فكانت النتيجة حلفًا توّج عودته إلى لبنان وأسفر ما أسفر إليه من محطات أبرزها توّليه رئاسة الجمهورية وحلفه مع حزب الله وكانت النتيجة ما حصل مؤخرًا من حرب تدميرية أسفرت عن سقوط ضحايا وخراب .

من نافل القول تبيّن لمراكز الأبحاث أنّ الجمهورية اللبنانية إستباحتها المصالح الخاصة ودمّرتها قوى ظلامية وقوى لا تدرك أصول العمل السياسي ، ومن ثمّ الحكومات المتعاقبة التي حكمت منذ العام 2005 ، وأظهرت الوقائع على الأرض أنّ حركة 14 أذار لم تتمكّن من إستعادة الدرو الريادي المطلوب منها ( محليًا – إقليميًا – دوليًا )،بهذه البساطة في ظل أداء ضعيف عاجز لا يستطيع توفير لقمة العيش للمواطنين رغم كل الخيرات والوعود والقدرات الموجودة في حينه والمقدمة من المجتمع الدولي ، وبصريح العبارة كان هناك “غياب للأسس السياسية الصحيحة للإدارة لديهم ” وهذا ما أدّى إلى التخبّط والعشوائية في إتخاذ القرارات .
حركة 14 أذار كانتْ مخزية ومحزنة فبدل من أن تستقطب ما صدر عن بيان السادة الأساقفة في العام 2000 ، وتحديدًا مضمون “نداء بكركي” سكرت بنشوة النصر الزائف وتمرّدت على الوقائع وتلّهت بالقشور وضاعت وأضاعت كل المكتسبات لأستشهد بما كتبه أحد الأساقفة فيما بعد : ” وبعد إنطلاق تجمع “قرنة شهوان ” بدأتُ ألتمسْ نوعًا من الإنتهازية في بعض مواقف التجمع ، ولم تكن تلك المواقف تلقى إرتياحًا لديّ . بصفتي أمين سر مجلس الأساقفة ، كنتُ على إطلاع على ما يجري، كما كنتُ ولا أزال أعتقد أنّ الكنيسة يفترض أن تعمل بهذه المبادىء التي تؤمن بها ، وأن تبقى على مسافة واحدة من جميع السياسيين ، وتعمل على جمعهم تحت سقف المفاهيم الميثاقية والوطنية ، وذلك من دون أن تسكت عن الأخطاء التي يرتكبها هذا السياسي أو ذاك ” .
للأسف ولست كمناضل وباحث وناشط سياسي متشائمَا أو متوهمًا لأنّ سنوات النضال والخبرة التي إكتسبتها جعلتني أعتبر أن الموروثات المزعجة الفاشلة والمعيقة للنضال السياسي لا بل المحبطة هي أحد أسباب فشل حرطة 14 أذار ، ومن يتحمّل مسؤولية هذا الكسل السياسي والفشل طبعًا من تبوأوا المراكز في حركة 14 أذار ، أو من كان وراء من وضع الرجل في غير مكانه المناسب … طبعًا نحن بحاجة في هذه المناسبة لقرأة مستفيضة للواقع الأليم وللفشل وللإحباط ، وإعادة تأسيس حركة نضال لبنانية لرسم مستقبل الجمهورية اللبنانية في ضوء الدستور والقانون والشرعية المتمثلة بالعهد الجديد .