خاص: نايلا شهوان
بعد تسع سنوات من الغياب القسري، تعود الانتخابات البلدية إلى لبنان، وسط مشهد سياسي متشنج يطغى عليه طابع المعارك المناطقية الحادة، حيث تتواجه الأحزاب في بعض البلدات مع لوائح عائلية وتحالفات محلية، تختلف جذرياً عن الاصطفافات المتوقعة في الانتخابات النيابية المرتقبة عام 2026.
معركة المتن: من يملك الجديدة يملك القرار؟
في قضاء المتن، تتجه الأنظار نحو أمّ المعارك، وتحديداً في دائرة الجديدة – السد – البوشرية، حيث شهدت التحالفات السياسية مفاجآت غير مألوفة. فقد اجتمع كل من حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب في لائحة واحدة، إلى جانب النائب إبراهيم كنعان، وأوغست باخوص (الحفيد)، في لائحة توزّعت مقاعدها كالآتي: 7 للكتائب، 7 للقوات، 5 للرئيس البلدي، و2 من حصة كنعان.
وتواجه هذه اللائحة تحالفًا منافسًا بقيادة جان أبو جودة، مدعومًا من التيار الوطني الحر. ورغم حجم التحالف العريض في اللائحة الأولى، يعتبر كثير من المراقبين أنها تمثل “ائتلاف العجز”، نظراً لانطلاقها من منطق تقاسم الحصص لا منطق الرؤية والمشاريع، ما دفع بالبعض إلى التساؤل: هل يمكن لبلدية موزعة بهذا الشكل أن تنتج قرارات فعّالة؟
فالبلدية تحتاج إلى 11 عضوًا لاتخاذ أي قرار، ومع غياب أكثرية واضحة، تطرح علامات استفهام حول قدرة المجلس المستقبلي على تحقيق التنمية المطلوبة. فهل يصمد التحالف بين الكتائب والقوات وأوغست باخوص؟ أم أنه سينهار تحت وطأة الطموحات الحزبية المتضاربة؟
أنطلياس: أولاد العم في وجه بعضهم
المعركة في أنطلياس لا تقلّ أهمية، إذ تتواجه لائحتان يقودهما أولاد عم: جورج أبو جودة وإيلي أبو جودة. إيلي مدعوم من آل المر، بينما جورج يُتّهم بالانتماء إلى القوات رغم محاولته البقاء في موقع “الوسَط المقبول من الجميع”. التيار الوطني الحر لم يحسم موقفه بعد، نتيجة خلافات داخلية في قاعدته الشعبية على خلفية العلاقة مع إيلي أبو جودة. ولا تزال الاتصالات قائمة لمحاولة تذليل العقبات.
المتن يغلي… تحالفات وتحديات
اللوحة الانتخابية في المتن لا تقف عند حدود الجديدة وأنطلياس، بل تمتد إلى مناطق أخرى:
• ضبيه، فنار، ونابيه: معارك حامية تتداخل فيها الأحزاب والعائلات.
• بسكنتا: تحالف غير متوقّع بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.
• بيت شباب: الكتائب تتواجه مع القوات.
• المروج: معركة ثلاثية بين الكتائب والقوات والحزب القومي.
• بيت مري: معركة محتملة بين التيار الوطني الحر والعائلات ضد رئيس البلدية الحالي.
• سن الفيل والدكوانة: تسويتان انتخابيتان من دون معارك.
هل تشكّل الانتخابات البلدية بوصلة نيابية؟
رغم الحدة في المعارك البلدية، لا يُمكن اعتبار هذه الانتخابات مؤشراً دقيقاً للنيابية المقبلة. فالتحالفات محلية الطابع، مبنية على توازنات ومصالح مناطق ضيقة، وغالباً لا تعبّر عن التوجهات الكبرى التي تُرسم على مستوى وطني.
لكن لا يمكن إغفال أن الأحزاب، خصوصاً القوات والكتائب، ستوظف البلديات كأدوات تحضيرية للنيابية، لتوسيع حضورها الخدماتي وتثبيت حضورها الشعبي. في المقابل، يسعى التيار الوطني الحر إلى إعادة تعريف موقعه عبر مقاربة إنمائية.
إلى أين تتجه البلديات؟
المخاوف الكبرى اليوم لا تقتصر على من يفوز ومن يخسر، بل تكمن في تحول البلديات من سلطة محلية تُعنى بالتنمية إلى مجرد منصات انتخابية للأحزاب. فالخطر أن تُستخدم المجالس البلدية كـ”مكنات” انتخابية لا أكثر، حيث تُشترى الأصوات وتُمنح الخدمات في سبيل الأصوات، وتُحرك الولاءات لا الخطط.
سامي الجميل يخوض معركة “اتحاد بلديات” في وجه النفوذ العوني، والقوات تريد تثبيت موقعها كاقوى مسيحياً. والتيار الوطني الحر يسعى للفوز باكبر قدر ممكن لإثبات نفسه انه لا يزال الرقم الصعب مسيحياً خصوصا بعد نيل القوات اللبنانية لقب “الاكثرية المسيحية”.
و لكن ما بين حسابات الأحزاب وطموحات العائلات، يبقى المواطن رهينة، يتنقّل من وعود إلى وعود، في انتظار مجلس بلدي يخرج من عقلية الزبائنية… ويدخل فعلاً في مشروع إنماء حقيقي.





