الانتخابات البلدية ملهاة لكراسي مفلسة وعاجزة !

0
123

كتب راغب جابر _ النهار

تثير الانتخابات البلدية في لبنان خصومات عائلية ظاهرة وكامنة، وبدلاً من أن تكون عنصر تنمية وخدمات عامة في إطار مهماتها وعملها، تصبح ساحة للتناحر والمكائد المتبادلة التي تحبط مهمتها. ليس ذلك قاعدة عامة، لكنه يشمل كثيراً من البلديات التي تجمد عملها بسبب الصراعات العائلية (والحزبية إلى حد ما). تجربة البلديات الكبرى غير مشجعة رغم الائتلافات الواسعة التي أتت بها، فكيف ببلديات القرى حيث العصبيات العائلية تبلغ ذروتها وتأتي بمجالس تحدّ وكسر عظم؟
لا ينتج قانون البلديات المعمول به حالياً بالضرورة مجالس بلدية نخبوية ذات كفاءات علمية ومهنية متقدمة، فهو يتيح لمن “يفك الحرف”، أي بالكاد يعرف القراءة والكتابة، أن يتبوأ منصب رئيس البلدية أو عضو المجلس البلدي، إما لانه صاحب مال ليس مهماً من أين اتى به، وإما لأنه ينتمي إلى عائلة كبيرة تفرضه على حساب أصحاب الشهادات والكفاءات الذين لا ينتمون إلى عائلات تقدر أهميتها بعدد “البواريد” التي يمكن أن تحملها. القانون طارد للكفاءات وقد فشلت محاولة سابقة لفرض مستوى علمي معين شرطاً للترشح للمجلس وشرطاً أعلى للرئيس. فهل غاب عن بال المشرع اللبناني أن العلم الذي هو شرط أساس لوظيفة العامة في البلد يجب أن يكون شرطاً ملزماً للتقدم إلى الرئاسة والعضوية البلديتين؟ وليس سراً أن كثيراً من البلديات حلت مجالسها بسبب الصراعات العائلية داخلها أو بسبب نقص الكفاءة أو الفساد وتغليب المصالح الخاصة واستغلال النفوذ.
لم تفكر الطبقة السياسية في تعديل قانون الانتخابات البلدية، كانت مشغولة بأمور أكبر. كان السياسيون اللبنانيون متفرغين للحروب الإقليمية ولحرب ترامب الجمركية …الهم البلدي بالنسبة إليهم ليس أكثر من مناسبة لصرف الإنتباه عن القضايا المعقدة التي يواجهها المجتمع اللبناني وتهدد مصيره. انها ملهاة لا يهم من تجلب إلى كراسي البلديات المفلسة والعاجزة.
أسوأ من الانقسامات العائلية، الانقسامات الطائفية في المدن والبلدات المختلطة طائفياً حيث توجد اكثرية طائفية وأقلية، كبيروت وطرابلس وبعلبك وزحلة وكثير من المدن والبلدات على امتداد البلد، فجأة تختفي أدبيات العيش المشترك وتطفو أدبيات طائفية فئوية استئثارية يقودها طائفيون إلغائيون. وعديدة البلدات التي تعثرت فيها الانتخابات وبقيت من دون مجالس بلدية بسبب التقوقع الطائفي والمذهبي، أو التي انتخبت فيها مجالس ذات لون طائفي واحد. كان يمكن معالجة هذه المشكلة بقانون متطور يعتمد النسبية التي تضمن تمثيل كل المكونات، لكن الطبقة السياسية لا تعير هذه الانتخابات كثير اهتمام ولا تلتفت اليها إلا قبل موعدها بأشهر قليلة غير كافية للاتفاق على قانون عصري.
في موسم الإنتخابات البلدية، كما في موسم الانتخابات النيابية، تحضر الرشوة بقوة، بالدفع المباشر “كاش” لشراء الاصوات أو بتقديم الخدمات على شكل زفت وطريق وقناة صرف صحي ومساعدات عينية وما شابه من خدمات تبرز فجأة. القانون يمنع الرشوة لكن من ينفذه وكيف يمنع الالتفاف عليه؟
الممارسة الديموقراطية حق لكل مواطن… لكنها تتطلب شروطاً غير موجودة في مجتمعات تحكمها العصبيات الطائفية والمذهبية والعائلية والعشائرية التي تغلب المصالح الفئوية على المصلحة العامة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا