خاص – سينتيا عبدالله
قطاع الزراعة في خطر ويحتاج لسنوات لينهض من جديد. تعتبر الزراعة أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد في لبنان، فهو قطاع يعتاش منه عدد كبير من الناس. لكن العدوان الأخير الإسرائيلي على لبنان، والذي بدأ في أيلول الماضي، ترك تأثيرات كارثية ومدمرة على هذا القطاع الحيوي، حيث تتعرض الأراضي الزراعية في البقاع والهرمل والجنوب للتدمير، وتفقد الكثير من المحاصيل بسبب عدم القدرة على الوصول إليها أو نقص الموارد اللازمة للزراعة.
تسبب هذه الغارات العنيفة التي يشنها العدوان الإسرائيلي على البقاع والهرمل والجنوب في تهجير معظم الفلاحين وتجريدهم من مصادر رزقهم، ما أدى إلى تدهور الأمن الغذائي وفقدان معظم المحاصيل في الأسواق. فما هو مصير القطاع الزراعي في البقاع والمناطق التي تتعرض للعدوان الدائم؟ وما تأثيراته على الأمن الغذائي وصحة المستهلك والتربة؟
أجابت المهندسة الزراعية ريتا محاسب على معظم هذه الأسئلة، حيث أكدت لصوت الأرز أن سهل البقاع هو من أهم المناطق الزراعية في لبنان، فهو شريان الزراعة اللبنانية، بالإضافة إلى جنوب لبنان الذي يملك محاصيل زراعية ضخمة وأساسية، من أهمها الزيتون والحمضيات وبعض الخضروات التي تنتج في الشتاء جنوبًا وليس في البقاع
سهل البقاع يملك مساحات زراعية كبيرة جدًا، وهي غير موجودة في منطقة أخرى كعكار مثلاً، التي لا تمتلك مساحات لزراعة القمح والشعير والحبوب التي تؤمن الأمن الغذائي في لبنان. فالبقاع والهرمل، الذي يشهد حاليًا سلسلة غارات عنيفة لا تتوقف، يعاني من أزمة كبيرة جدًا، فأهم المزروعات هناك كالشعير والقمح والعدس والحمص والفاصوليا والخضراوات التي تحتاج مساحات كبيرة كالبطاطا والبصل والثوم والخيار والطماطم والخس والبطيخ والفراولة والأشجار المثمرة، بالإضافة إلى زراعة التبغ وكروم العنب في البقاع الشمالي، قد تتوقف عن الإنتاج بشكل كلي، خاصة وأن توقيت الحرب جاء في وقت القطاف والحصاد لتوضيب المحاصيل في المخازن للتحضير للمواسم الشتوية.
وعن التأثيرات على القطاع الزراعي في البقاع وبعلبك، أكدت محاسب أن البنى التحتية تُدمر من قبل العدو الإسرائيلي بشكل كامل، كقنوات المياه لري المزروعات، والخزانات لتخزين المياه، ومستودعات تخزين المزروعات، والبرادات الزراعية للمحافظة على الإنتاج في الشتاء عندما تتوقف الزراعة في السهل
وأضافت محاسب أن إنتاجية المزروعات حاليًا متوقفة، فالمزارع الذي حصدّ محصوله لم يتمكن من الزراعة للموسم الجديد، كما أن هناك مزارعين لم يتمكنوا من تصريف محصولهم بسبب الغارات، ناهيك عن تلوث التربة والمياه والجو الناتج عن الغارات وترسبات الأسلحة المستعملة كاليورانيوم والمعادن الثقيلة التي يتم استخدامها، والتي تصل إلى المياه الجوفية، والفوسفور الأبيض الذي يحتاج إلى الكثير من الوقت ليتفكك من الأرض، مما سيؤثر سلبًا على إنتاجية الأرض وصحتها على المدى القصير والطويل
وأوضحت أن الفوسفور الأبيض يلوث المياه أيضًا والثروة النباتية والحيوانية، فهذا الفوسفور الذي سقط على الأشجار الموجودة حاليًا كأشجار التفاح والزيتون والكثير من المزروعات سيؤثر بشكل كبير على صحة المستهلك اللبناني، وبالتالي وجوده في الأرض سيؤثر على المحاصيل المستقبلية، وسيحتاج لسنوات لتطهير هذه التربة والمياه الجوفية منه
وعن معاناة المزارع البقاعي، أكدت محاسب أن المحاصيل من منطقة زحلة نزولًا إلى بيروت لا تزال قادرة على العمل، إلا أن من منطقة الفرزل صعودًا فقد توقفت الأعمال كليًا، بالإضافة إلى هروب العمال الأجانب، ومنهم السوريون، الأمر الذي أدى إلى نقص في اليد العاملة، وبعضهم نزح من مناطقهم تاركًا خلفه، بالإضافة إلى أرضه الزراعية، الماشية، والدواجن التي تفتقد للطعام والعلف والعناية الطبية المفقودة
أضف إلى ذلك الأضرار التي لحقت بالألواح الشمسية والموتورات التي تعاني من نقص الإمدادات والفيول، مما يؤثر بشكل كارثي على عملية الري وعدم القدرة على التوجه إلى الأرض للكشف عليها
وعن تقدير نسبة الأضرار في البقاع من الفرزل صعودًا، أكدت محاسب أنها بلغت حوالي 80%، فهناك بساتين محترقة بأكملها، ويصعب إعادة إحيائها بشكل كبير، خاصةً وأن هناك أشجارًا تحتاج لسنوات كثيرة لكي تعود وتنتج مرة جديدة، حيث تم تدميرها وحرقها بشكل كامل. فالأضرار كبيرة على المدى القريب، لأن المحصول “انفقد”، وعلى المدى البعيد لأنه ليس هناك محاصيل مستقبلية، فالأمن الغذائي في لبنان في خطر كبير وكارثي، ويحتاج لخطة إنقاذ شاملة تحتاج لتدخلات خارجية سريعة، وتحتاج لثلاث سنوات على الأقل إذا بدأ العمل بها من اليوم، وكل يوم تأخير يؤخر في المواسم المستقبلية، وكلما زاد خطر إعادة التأهيل وعودة البقاع لسابق عهده
أما عن الأمن الغذائي، فأوضحت محاسب أن الحرب تؤثر بشكل كبير جدًا على الأمن الغذائي، فسيواجه اللبنانيون عذابات ومشقات على المدى القريب والبعيد، لأن الأراضي الزراعية تدمرت بمعظمها، وفقدت الثروة الحيوانية، بالإضافة إلى تدمير البنى التحتية للمزارعين ومعداتهم، وسيحتاج المزارع اللبناني للكثير من الدعم ليعود ويقف على قدميه، والعمل في المناطق غير الآمنة، ناهيك عن ارتفاع الأسعار بشكل خيالي عندما تفقد المزروعات في الأسواق، مما سيؤثر سلبًا على الاقتصاد اللبناني. فسيعاني هذا القطاع من فوضى كبيرة في حال لم يأتِ هذا الدعم الخارجي. لم نشعر بهذا التغيير حتى الآن، لكن الكارثة آتية لا محالة
مصير الزراعة اللبنانية أسود حاليًا، وعجلة الاقتصاد في المستقبل في خطر كبير، فالاحتكار على الأبواب، بالإضافة إلى رفع أسعار المحاصيل في المناطق التي ما زالت آمنة حتى الساعة، لكن كل المحاصيل، وحتى التي يمكن تخزينها كالحبوب، في خطر في ظل غياب كامل لخطة إنقاذية تحمل القطاع الزراعي إلى بر الأمان