جنود محطمون نفسياً: أزمة تهز المؤسسة العسكرية الإسرائيلية

0
65

بينما تواصل إسرائيل حربها الأطول والأكثر دموية على قطاع غزة، تتكشف أزمة غير مسبوقة في صفوف جيشها، آلاف الجنود العائدين من الجبهات يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة النفسية “PTSD”، فيما تسجّل معدلات الانتحار بينهم أرقاماً قياسية لم تعرفها المؤسسة العسكرية من قبل. وفق تقرير لـ”واشنطن بوست”.

ووفقاً لبيانات وزارة الدفاع الإسرائيلية، فإن أكثر من 11 ألف جندي انضموا منذ 2023 إلى برامج إعادة التأهيل النفسي الخاصة بضحايا الحرب، في حين تشير تقديرات المستشفيات والمراكز البحثية إلى أن عشرات الآلاف يعانون من صدمات مماثلة دون علاج أو اعتراف رسمي. وفي موازاة ذلك، تحقق المؤسسة العسكرية في 37 حالة انتحار على الأقل منذ اندلاع الحرب، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما سُجّل في حرب غزة عام 2014.

وتثير هذه الأرقام – التي تُعرض في إسرائيل كـ”أزمة إنسانية” داخلية –، مفارقة عميقة فبينما يتحدث الإسرائيليون عن “معاناة غير مرئية” لجنود شاركوا في القصف والاقتحامات، تشير إحصاءات وزارة الصحة في غزة إلى أكثر من 67 ألف شهيد فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى مئات آلاف الجرحى والمشردين.

انهيار داخلي بعد حرب الإبادة

وتكشف شهادات الجنود الإسرائيليين عن مأزق أخلاقي بقدر ما هو نفسي، حيث تحدث كثير منهم عن فقدان السيطرة، وعن المشاركة في عمليات انتقامية جماعية بلا هدف عسكري محدد، كما اعترف بعضهم بأن مشاهد الجثث والدمار الواسع في غزة لاحقته إلى بيته، حيث تحوّلت حياته اليومية إلى سلسلة من نوبات الغضب والاكتئاب والكوابيس.

وتعتبر هذه “الندوب النفسية” الوجه الآخر لحرب الإبادة التي لم تترك بيتاً في غزة من دون مأساة، فبينما تنفق إسرائيل الملايين على مزارع علاجية، خيول، أو رحلات استشفائية لجنودها، يبقى أطفال غزة الذين شاهدوا عائلاتهم تُقتل بلا مأوى ولا علاج ولا صوت يسمع صراخهم.

إسرائيل تعترف بالكارثة

ولم يعد موضوع الاضطرابات النفسية محرّماً في إسرائيل، وصار يُناقش في البرلمان، وتُخصّص له نشرات الأخبار، وتُقام مبادرات مدنية لإسناد الجنود، حتى فنانين ومشاهير تناولوا الظاهرة علناً.

لكن هذا الانفتاح، في المقابل، يُظهر كيف يُدار الصراع من زاويتين متناقضتين في الوقت الذي يحظى فيه الجندي الإسرائيلي بالدعم والرعاية بوصفه “ضحية الحرب”، يُختزل الفلسطيني – الحي والميت – في أرقام مجردة، بلا أسماء ولا ملامح، في إعلام الدولة العبرية.

حرب بلا نهاية… وندوب بلا شفاء

ويشير تقرير “واشنطن بوست”، إلى أن الخبراء في تل أبيب يحذرون من أن تداعيات الحرب لن تنتهي مع وقف إطلاق النار، وأن المجتمع الإسرائيلي سيدفع ثمنها النفسي لعقود قادمة، أما الفلسطينيون، فيرون في ذلك جزءاً من العدالة، فجيشٌ خاض حرب إبادة جماعية، ودمّر غزة على رؤوس ساكنيها، لا بد أن يرتد عليه عنفُه في صورة انتحارات، انهيارات نفسية، وأجيال محطمة.

هكذا، بينما تبكي إسرائيل جنودها الذين يسقطون ضحايا لندوب الحرب الداخلية، تبقى غزة شاهداً على مأساة أكبر: شعب كامل محاصر بين الركام والمقابر، من دون مزارع علاجية ولا جلسات نفسية، بل بانتظار العالم لوقف حربٍ أحرقت الأخضر واليابس.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا