خرج المغني اللبناني فضل شاكر السبت من مخيم عين الحلوة في صيدا وسلم نفسه لفرع مخابرات الجيش اللبناني عند حاجز الحسبة، حيث تقدم سيراً على الأقدام وسلَّم نفسه لثلاثة ضباط، قبل أن يُقتاد إلى وزارة الدفاع تمهيداً لتحقيق مطوّل، ليطوي صفحة طويلة من التخفي طالت 12 عاماً.
وجاء التسليم بعد وساطات مع فعاليات فلسطينية ولبنانية واتفاقات تضمن حقوقه القانونية. ونقلت وسائل الإعلام أن شاكر كان يرتدي ثياباً مدنية لدى تسليم نفسه وبدت عليه علامات الإعياء.
البدايات الفنية وسنوات الرومانسية
قبل دخوله عالم السياسة والدين، كان فضل عبد الرحمن شاكر شمندر، المعروف فنياً بـ”فضل شاكر”، أحد نجوم الغناء العربي. ولد في صيدا العام 1969، وبدأ في التسعينيات مسيرة غنائية ناجحة أنتج خلالها أكثر من عشرة ألبومات وعشرات الأغاني، وعرف بصوته الدافئ وأغنياته العاطفية التي حققت انتشاراً عربياً واسعاً. وكان شاكر يوصف حتى العام 2011 بأنه ملك الرومانسية، وكانت تُؤدّى أغنياته في حفلات الزفاف وتبث على القنوات الفضائية وقنوات الراديو من دون جدل يذكر.
الدعاء على الأسد في “موازين” واعتزال الفن
في ربيع العام 2012، وقف شاكر على منصة “موازين إيقاعات العالم” في الرباط، وخلال إحدى السهرات فاجأ الجمهور المغربي بالدعاء على الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وطلب من الجمهور أن يردد وراءه آمين، قائلاً: “منك لله يا بشار”.
وقبل الحفل كان شاكر قد أعلن اعتزال الغناء، لكنه عاد للظهور في المهرجان إلى جانب الفنانة يارا، وطلب من الجمهور أن يدعو معه على الأسد كشرط لتلبية طلباتهم، وفي تلك المناسبة جدّد دعمه للثورة السورية وتعهد بمساندة المقاتلين السوريين بكل الوسائل.
بعد أيام من حفلة “موازين”، أعلن شاكر في مقابلة أنه سيعتزل الغناء لأن الفن “لم يعد يشرّفه”، بعدما شاهد قتل المدنيين في سوريا، وأكد أنه سيرفع صوته فقط لفلسطين وحمص والمظلومين.
هذا التحول المفاجئ، دفعه للانضمام إلى بيئة سلفية في صيدا، إذ أعلن تأييده للشيخ أحمد الأسير، الذي كان يقود اعتصامات ضد النظام السوري وحزب الله، وطلب شاكر حينها الحصول على الجنسية الفلسطينية ليبرهن انتماءه للقضية الفلسطينية، وتوعد بدعم الثورة السورية مادياً وعسكرياً.
التقرب من أحمد الأسير ومعركة عبرا
مع تطور أحداث الثورة والقمع الذي تعرض له المدنيون من قبل قوات نظام الأسد المخلوع، اقترب شاكر أكثر من الشيخ السلفي أحمد الأسير، وبات يظهر في مقاطع فيديو يحمل سلاحاً ويهدد من وصفهم “بالأعداء”. وفي حزيران/يونيو 2013 اندلعت معركة عبرا بين الجيش اللبناني ومجموعة الأسير، وأسفرت عن مقتل 18 جندياً لبنانياً و11 مسلحاً، واتُهم شاكر بالمشاركة في القتال، رغم نفيه لذلك، ثم فرّ مع الأسير إلى مخيم عين الحلوة. ونفى في مقابلات لاحقة مشاركته في المواجهة واعتبر أن خصومه استغلوا مواقفه لتوريطه.
الحكم الغيابي الأول والعزلة في المخيم
بعد فراره إلى عين الحلوة، عاش شاكر حياة شبه سرية تحت حماية مسلحين، لكنه لم يسلم من السلطات. ففي كانون الثاني/ فبراير 2016، أصدرت المحكمة العسكرية اللبنانية حكماً غيابياً بسجنه خمس سنوات وغرامة 500 ألف ليرة بتهمة التطاول على دولة شقيقة خلال مقابلة سجلها من داخل المخيم العام 2014، وقالت المحكمة إن تصريحاته تسببت في تعكير صلات لبنان بدولة عربية وإثارة النعرات والمسّ بسمعة المؤسسة العسكرية.
حكم الـ15 عاماً وقضايا عبرا
وفي أيلول/سبتمبر العام 2017 أصدرت المحكمة حكماً غيابياً ثانياً بالسجن 15 عاماً مع الأشغال الشاقة في ملف أحداث عبرا، وجاء الحكم بعد اتهامه بتشكيل مجموعة مسلحة وشراء أسلحة وذخائر لصالح الأسير، وفي العام 2018 أصدرت المحكمة قراراً ببراءته من قتل الجنود لعدم كفاية الأدلة، لكنه ظل مطلوباً في قضايا أخرى.
حكم الـ22 عاماً
في كانون الأول/ديسمبر 2020 حكمت المحكمة العسكرية غيابياً على شاكر بالسجن 22 عاماً مع الأشغال الشاقة، منها 15 عاماً بسبب التدخل في أعمال إرهابية وتقديم خدمات لوجستية، وسبع سنوات مع غرامة لشراء أسلحة وتمويل مجموعة الأسير، وأوضحت المحكمة أن الحكم الجديد يضاف إلى حكمين صدرا في العام 2016 و2017 المرتبطين بإهانة دولة عربية وأحداث عبرا. وخلال تلك الفترة، ظلت الدولة اللبنانية تصادر أرصدته وتمنع تسجيل عقارات أسرته، ما أدى إلى حصار مالي خانق.
تتر مسلسل «لدينا أقوال أخرى»
ورغم الملاحقات القضائية، ظهر شاكر فنياً العام 2018 من خلال غناء مقدمة مسلسل “لدينا أقوال أخرى” من بطولة الممثلة المصرية يسرا، وأعلنت شركة “العدل جروب” الفنية في بيان أن فضل شاكر يعود للغناء بأداء تتر المسلسل، وطرحت أغنيته “شبعنا من التمثيل” عبر قناتها في “يوتيوب”، ونقل البيان أن محمد، نجل شاكر، أكد عودة والده للغناء، رغم أنه كان مختفياً في المخيم. لكن الأغنية أثارت جدلاً واسعاً، وانقسم الجمهور بين مؤيد ومعارض، مما دفع الشركة لاحقاً إلى حذفها واعتبارها خطأ سياسياً.
إنتاج أغنيات منفردة ونقاش عام
واصل شاكر إصدار الأغنيات بشكل فردي عبر المنصات الرقمية، وطرح سبع أغنيات منفردة منها “ابقى قابلني” و”ليه” و”وينك حبيبي”، وحققت تلك الأغنيات نحو مئة مليون مشاهدة على الإنترنت، وعاد في العام 2022 للتعاقد مجدداً مع شركة “روتانا” للإنتاج الفني التي رأت أن أغنياته الأخيرة لاقت رواجاً كبيراً.
الطوفان الرقمي لعام 2025
ورغم بقائه داخل المخيم، دخل شاكر هذا العام مرحلة جديدة من النشاط الفني عبر منصات البث، فأطلق في نيسان/أبريل الماضي عبر قناته في “يوتيوب” أغنية “أحلى رسمة”، وحققت تفاعلاً كبيراً، حيث بلغت مشاهداتها 81 مليوناً خلال أشهر قليلة، وطرح بعدها أغنية “غلبني” التي تناولت الشوق والحنين، وسرعان ما تصدرت الترند في عدد من الدول العربية وتجاوزت نصف مليون مشاهدة خلال 24 ساعة، وحققت أغنياته التالية مثل “الحب بس” و”كيفك ع فراقي” أرقاماً قياسية، حيث سجلت “الحب بس” 12 مليون مشاهدة، و”كيفك ع فراقي” ثلاثة ملايين في 24 ساعة.. كما شكل فيديو “كيفك ع فراقي” أول ديو رسمي بين فضل شاكر وابنه محمد، واعتبر بعض النقاد أن شاكر أحدث نقلة نوعية، واستحضر نوستالجيا كات غائبة لمدة طويلة عن الفن العربي.
نهاية معاناة طويلة
في صيف العام 2025 صرح نجل شاكر، محمد، في مقابلات إعلامية بأن والده يفكر في تسليم نفسه حين تكون الظروف مناسبة وأن الأسرة تثق ببراءته، وأضاف أن والده يعيش ظروفاً صعبة داخل المخيم لكن القانون يكفل له إعادة المحاكمة.
وأكدت مصادر قانونية أن كل الأحكام الغيابية تعتبر لاغية بمجرد توقيف المتهم، وأن شاكر سيمثل أمام محكمة علنية يتمتع فيها بحق الدفاع، ويتوقع بعض المحامين إسقاط الحكم المتعلق بإهانة دولة صديقة لأن جهة الادعاء “النظام السوري المخلوع” لم تعد قائمة، كما يتوقع أن يركز دفاعه على شهادات تؤكد أنه غادر المنطقة قبل اندلاع معركة عبرا.
الرومانسي الجدليّ
وتظهر سيرة شاكر منذ العام 2012 تحولاً جذرياً في مسار فنان كان رمزاً للرومانسية ليصبح شخصية جدلية على تماس بين الفن والسياسة والدين، إلا أنه احتفظ بخيط رفيع مع الفن. ويمثل تسليم شاكر نفسه ربما بداية لطي ملف مطاردته وفتح صفحة جديدة. فإذا نال حكماً مخففاً أو أثبت براءته، قد يشهد الوسط الفني عودة رسمية له، أما إن ثبتت الاتهامات، فقد يكتب نهاية فنان جمع بين أضداد كثيرة.






