خاص : اوديت ضو الاسمر
تنكشف يومًا بعد يوم، بعد سقوط نظام الأسد في سوريا أخبار تُعيد الأمل لأهالي المفقودين قسرًا في السجون السورية. ومع ذلك ورغم كل ما يجري يبقى مصير المعتقلين غامضًا مما يثير العديد من التساؤلات. وأبرزها هل يحق لأهالي المفقودين التقدم بدعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس الأسد واتهامه بالإخفاء القسري و التعذيب واحتجاز أبنائهم وأقاربهم في أماكن تفتقر إلى أدنى حقوق السجين وفقًا للمواثيق الدولية المعترف بها؟
ردا على هذه التساؤلات تواصل موقع “صوت الأرز” مع الدكتور ناجي سابق المستشار القانوني والخبير في الشؤون الجنائية الدولية والنزاعات المسلحة الذي قدم اضاءة حول الالية التي قد تؤدي إلى محاكمة الرئيس السابق بشار الاسد و كل من قام بمساعدته وإنزال اشد العقوبات بحقهم
استهل الدكتور سابق حديثه بالتأكيد على أن أهم ما ارتكزت عليه المحكمة الجنائية الدولية والقضاء الدولي والقضاء الجنائي الدولي هو منع إفلات مرتكبي الجرائم الدولية من العقاب وبالتالي لمنع إفلات الرئيس السوري السابق بشار الأسد مع معاونيه ومرؤسيه من العقاب حيث يحق لأهالي المعتقلين التحرك في هذا الاتجاه استنادًا إلى المادة (25 ) من نظام روما التي تمنح المحكمة الجنائية الدولية الحق في ملاحقة المسؤولين فرديًا عن ارتكاب الجرائم الدولية سواء قاموا بها بأنفسهم أو بالتعاون مع آخرين عبر المساعدة أو التحريض ان كان بقصد مشترك أو حتى بالتحريض على ارتكابها دون تنفيذها فعليًا.
وأشار الدكتور ناجي سابق أيضًا إلى المادة( 27 )من نظام روما الأساسي التي تنص على عدم الاعتداد بالصفة الرسمية للأشخاص. وهذا يعني أن الرئيس الأسد أو أي شخص آخر تحت سلطته سواء كانوا ضباطًا أو أفرادًا تحت إمرته لا يمكنهم استخدام الحصانة كذريعة لمنع ملاحقتهم أمام القضاء الدولي .
وأضاف أن المادة (28) تُحمّل القادة والرؤساء والمرؤوسين المسؤولية الجنائية الكاملة عن الجرائم المرتكبة سواء كانوا على علم بها أو كان يُفترض أن يكونوا على علم بها وامتنعوا عن اتخاذ التدابير اللازمة لمنع وقوعها أو محاسبة مرتكبيها او تقديمهم للعدالة ووفقًا لنص هذه المادة يتحمل الرئيس الأسد المسؤولية الكاملة عن جميع الجرائم التي ارتُكبت من قبل مرؤوسيه ومن يعمل تحت سيطرته وسلطته الفعليتين في السجون السورية بما في ذلك جرائم التعذيب والقتل العمد والحرمان من الحقوق الانسانية الأساسية وغيرها من الانتهاكات التي تخالف اتفاقية جنيف لعام 1949 والبروتوكولان الاضافيان لعام 1977 ونظام المحكمة الجنائية الدولية الدائمة وقواعد القانون الدولي الانساني لا سيما المادة(٣) التي يجب ان تطبق في كافة الاوقات والحروب والنزاعات الدولية والداخلية والتي تعتبر دستورا” انسانيا” تمت الموافقه عليه من كافة دول العالم وقد حرمت هذه المادة
الاعتداء على الحیاة والسلامة البدنیة, وبخاصة القتل بجمیع أشكاله والتشویه, والمعاملة القاسیة, والتعذیب،
و أخذ الرھائن،
والاعتداء على الكرامة الشخصیة، وعلى الأخص المعاملة المھینة بالكرامة،
ً مع العلم ان هذه المادة تكفل جمیع الضمانات القضائیة اللازمة في نظر
ً القانون من اجل المحاكمات العادلة علما” ان النظام السوري لم يسمح مطلقا” لأي من الهيئات او الجمعيات او المنظمات الدولية الانسانية من زيارة سجونه او الاطلاع على الاوضاع الانسانية وهذا كان سببا” كبيرا” في عمليات القتل العمد والتعذيب وبيع الاعضاء البشرية والاعدامات وعمليات الاغتصاب والمعاملة الحاطة من الكرامة الانسانية التي تخالف ابسط قواعد القانون الوطني والدولي.
ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم او بمرور الزمن وفقًا للمادة( 29) من نظام روما الأساسي. لذلك يجب على أهالي الضحايا والمعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب أو القتل في السجون السورية أن يطالبوا الحكومة السورية الحالية بتقديم طلب إلى المحكمة الجنائية الدولية استنادًا إلى المادة( 12) الفقرة( 3) لقبول اختصاص المحكمة. ويشمل ذلك التعاون الكامل مع المحكمة والمطالبة من المدعي العام بالتحقيق في جميع الجرائم التي تدخل ضمن اختصاصها مثل الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب وكلها جرائم دولية لا تسقط بمرور الزمن
وشدد المستشار القانوني الدولي ناجي سابق على أهمية أن يقوم المدعي العام بجمع المعلومات وإجراء التحقيقات وارسال لجان تقصي الحقائق والتأكد من صحة الادعاءات من خلال المنظمات الدولية والمعنيين على الأرض. واذا اثبتت صحة الادعاءات يتم تقديم طلب للدائرة التمهيدية لملاحقة المسؤولين وتقديمهم للمحاكمة وفي هذه الحالة على الحكومة السورية الحالية أن تقبل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية مما يُمكّن المحكمة من ممارسة ولايتها وتحقيق العدالة ومنع إفلات الجناة من العقاب.
أما الجرائم ضد الإنسانية، فقد حددتها المادة (7 )من نظام روما الأساسي التي تشمل القتل العمد (الفقرة “أ”)، والسجن أو الحرمان الشديد من الحرية البدنية بما يخالف القانون الدولي (الفقرة “هـ”)، والتعذيب أو إلحاق الأذى البدني أو العقلي الشديد بشكل متعمد (الفقرة “و”). وقد تم التحقق من هذه الجرائم من خلال شهادات حية لأشخاص تعرضوا للتعذيب المبرح مما تسبب بإعاقات جسدية و ذهنية بالإضافة إلى ذلك، تناولت الفقرة “ز” من المادة (7 )جرائم مثل الاغتصاب، الإكراه على الحمل القسري، والعنف الجنسي.
اما بالنسبة لجرائم الحرب، فقد تناولتها المادة( 8) الفقرة “أ” (1-2-3)، التي تحدثت عن الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف، مثل التعذيب والمعاملة غير الإنسانية التي تُلحق أضرارًا جسيمة بالصحة. وكذلك الفقرة “ج” (1-4) التي تناولت انتهاك الكرامة الإنسانية والإعدامات دون محاكمات عادلة أو احترام الحقوق الدنيا للدفاع عن النفس او المحاكمة العادلة
و ختم الدكتور ناجي سابق بالتشديد على أهمية عدم التغافل عن الانتهاكات الانسانية المشابهة وارتكاب الجرائم الدولية من جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب المرتكبة من العدو الصهيوني في غزة ولبنان. وهذا يستوجب السعي لتقديم قادة الاحتلال الإسرائيلي وجميع الضباط المسؤولين إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبتهم على أفعالهم رغم أن إسرائيل ليست طرفًا موقعًا على نظام روما الأساسي أو المحكمة الجنائية الدولية.
ان التجارب السياسية في المنطقة علمتنا أن حقوق الشعوب لا تُنتزع من الأنظمة الاستبدادية إلا عند تقاطع المصالح الإقليمية والدولية. فهل ستتمكن عدالة الأرض اليوم من إنصاف المظلومين الذين عانوا من ظلم الأسد لأكثر من 30 عامًا دون محاسبة؟