خاص – بين الغارات والمناهج: رحلة الطلاب اللبنانيين نحو التعليم

0
43

صوت الارز -سينتيا عبدااله

مدارس لبنان تتخبط بين التعليم الحضوري والأونلاين والمستقبل ضبابي

يعيش القطاع التربوي في لبنان ضياعًا غير مسبوق

 فالعدوان الإسرائيلي على لبنان قلب هذا القطاع رأسًا على عقب، حيث تحولت كل المدارس الرسمية إلى ملاجئ للنازحين، الأمر الذي دفع وزير التربية عباس الحلبي إلى تأجيل بداية العام الدراسي لأكثر من مرة، وكان آخره قرار بدء التعليم في المدارس والثانويات والمهنيات الرسمية في الرابع من تشرين الثاني المقبل

هذا التأجيل أثار امتعاض المدارس الخاصة التي تصر على بدء عامها الدراسي بشكل طبيعي كي لا يتأخر التلاميذ عن مناهجهم، وخاصةً التي تتبع المنهج الفرنسي والأميركي. وبعد سلسلة اجتماعات مطولة بين الوزارة وممثلين عن المدارس الخاصة والكاثوليكية تحديدًا، طغت عليها الخلافات فوزير التربية لا يريد التمييز بين تلميذ وآخر ويصر على تأجيل بدء الدروس في المدارس الخاصة كي لا يتعلم تلميذ الخاصة ويبقى تلميذ الرسمية بدون تعليم

فيما تصر المدارس الخاصة على بدء التعليم بحجة أن الأهالي قد دفعوا التسجيل وأول دفعة من القسط السنوي، فهم من حقهم أن يتعلم أولادهم بالشكل اللازم والمطلوب بحسب المنهج. وأالأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية تقول أن المدارس ملتزمة مع الآلاف من المعلمين الذين يتلقون معاشاتهم بالدولار الفريش، فكيف يحصلون على أموالهم إذا توقف الأهالي عن الدفع؟

وبعد إعلان الوزير عن بدء العام الدراسي في الرابع من تشرين الثاني، أكد الحلبي أن إمكانية العودة للتعليم الحضوري تقررها الإدارة مع الأخذ بعين الاعتبار أوضاع التلاميذ، وهذا يكون على مسؤوليتها. ومن هنا بدأت المدارس الخاصة “تتخبط” فيما بينها ومع الأهالي حول ما إذا ستفتح أبوابها للتعليم الحضوري أو ستكتفي بالتعليم عن بعد “أونلاين”. حتى الأهالي لا يعلمون ما إذا كان عليهم إرسال أولادهم إلى المدارس في ظل هذه الظروف أو إبقائهم في المنزل و”خسارة” عامهم الدراسي، نظرًا لأن التعليم عن بعد قد أثبت فشله أيام كورونا

لذلك قررت إدارات المدارس الخاصة في مناطق كسروان والمتن، بمعظمها، فتح أبوابها أمام التعليم الحضوري.على اعتبار أنها مناطق بعيدة عن أماكن الغارات والاشتباكات مع العدو الإسرائيلي

أما المدارس الخاصة الواقعة في مناطق بعبدا وبيروت، فمشكلتها أكبر. فمثلاً، مدرسة سيدة الجمهور  الواقعة في منطقة هادئة نسبيًا، إلا أنها تطل على ضاحية بيروت الجنوبية التي تشهد أعنف الاشتباكات ليلاً ونهارًا، فقد تريثت بقرارها، حيث طلبت من طلاب الصفوف المتقدمة الحضور إلى الصف بحسب إمكانية كل طالب، أما الصفوف الأصغر فسيكون تعليما عن بعد مع تخفيض بالمنهج لمساعدة الأهالي، وصفوف الحضانات ستتعلم عن بعد مرة واحدة في الأسبوع. كذلك الحال بالنسبة للمعهد الانطوني او الحكمة برازيليا بانطقالهما الى الاونلاين

مدارس بيروت الخاصة قررت التعليم عن بعد وعدم تعريض طلابها للخطر وتحمل مسؤولية انتقالهم إلى مناطق لم تشهد حتى الآن غارات، لكنها معرضة في أي وقت، خاصة وأن العدو الصهيوني لم يتهاون ولو مرة واحدة عن ارتكاب مجازر بحق النساء والرجال والأطفال.

حتى الآن، لا يزال العام الدراسي في لبنان غير معروف. هل سيتمكن لبنان من إنقاذ العام الدراسي؟ ما علينا سوى الانتظار حتى تكف أيادي هذا العدو الغاشم عن لبنان، لكن بعد هذه الصدمات التي تلقاها الأطفال هذه المرة، هل سيستطيعون العودة ليس إلى الدراسة فقط، بل إلى حياتهم الطبيعية؟

النائب الدكتور إدغار طرابلسي، مقرر لجنة التربية النيابية اكد لصوت الارز ان قرار  فتح المدارس الخاصة غير منصف لطلاب المدارس الرسمية

مشيرا الى أن 620 مدرسة ومعهد قد فتحت أبوابها لأكثر من 40,000 نازح، ومقاعد الدراسة فارغة والدروس متوقفة. وأشار طرابلسي أنه تواصل مع وزير التربية مطالبًا بنقل تلامذة المدارس الرسمية وأساتذتها إلى المدارس الخاصة بدوام بعد الظهر لحفظ حقهم في التعلم

كما طالب طرابلسي الوزير بإنقاذ العام الدراسي بحل وطني تربوي شامل يؤمن التعليم للطلاب النازحين والمقيمين، موضحًا أن هناك 264,945 طالبًا مدرسيًا ومهنيًا وجامعيًا نازحًا و35,590 أستاذًا نازحًا. كما طالب بإيجاد بديل لـ620 مدرسة ومعهد أصبحوا مراكز إيواء. في المقابل، نوه طرابلسي بقرار وزير التربية عباس الحلبي بتأجيل بداية العام الدراسي إلى 4 تشرين الثاني، مؤكدًا أنه قرار مسؤول وحكيم وحريص للغاية

وانتهى طرابلسي موضحًا أن العام الدراسي يمكن إنقاذه بسهولة، فالمدارس تحتاج إلى 140 يومًا تعليميًا فقط لإنهاء مناهجها

ردود الفعل تفاوتت في قضية فتح المدارس وبدء العام الدراسي

 رئيس لجنة التربية النيابية النائب حسن مراد كان ضد بداية العام الدراسي منتقدًا اتحاد المدارس الخاصة، مؤكدًا أن الضغط لفتح أبواب المدارس حاليًا هو مؤامرة على الوطن ومحاولة للتقسيم التربوي. اما النائبة حليمة قعقور فاشارت الى أن قرار فتح المدارس الخاصة يعتبر خطيرًا، فهو ضربة للمواطنة والانتماء إلى الدولة للكثير من الطلاب الذين خسروا مدارسهم، وشددت على أن هذا القرار يحمل في طياته فكرًا تقسيميًا وليس فكرًا تضامنيًا، وطالبت الوزير بتأجيل العام الدراسي لوقت لاحق ووضع خطة لا يتم التمييز فيها بين طالب وآخر.

من جهته، وجه أمين التربية والشباب في حزب التوحيد العربي بشار شعبان كلامًا قاسيًا إلى الجهات التي تدعو إلى فتح المدارس، مؤكدًا أنهم يرتكبون جريمة بحق الطلاب، لأن التعليم ليس أهم من الحياة. إنه مهم، لكنه حق مشروع لكل طفل، لكن ليس على حساب حياته. وأكد أنه لا يمكن أن يطلب من طالب أن يركز على دروسه وهو يسمع صوت الغارات ويعيش الدمار من حوله.

وأضاف أن قرار فتح المدارس في هذه الظروف ليس للاستهانة بمعاناة الشعب اللبناني، رافضًا هذا القرار نهائيًا. أما المكتب التربوي في تيار المستقبل فقد استغرب دعوة البعض لبدء العام الدراسي في المناطق الآمنة، لأن الوطن ليس بخير، مشددًا على أن قرار هذه المدارس هو تحت ذريعة الحفاظ على العام الدراسي والعودة فقط من أجل تحصيل الأقساط ودفع رواتب الأساتذة

من جهة أخرى، شدد حزب الكتائب اللبنانية على أن إقفال المدارس يصب في مصلحة إسرائيل، التي من أهدافها شل التعليم في لبنان، فبقاء المدارس في المناطق الآمنة مغلقة سيدفع بأهلها للهجرة، لأن همهم الأساسي هو تعليم أولادهم. فهذا الإقفال هو ضربة كبيرة للتربية، ويجب على الحكومة وضع خطة لإنقاذ العام الدراسي وترك الحرية للمؤسسات كي تأخذ القرار المناسب

وشدد التيار الوطني الحر على ضرورة استكمال العام الدراسي ودعم المدارس والجامعات الرسمية والخاصة للتمكن من التعليم دون استثناء، وتنفيذ خطة طوارئ تربوية تعليمية من عدة سيناريوهات، كالتعليم الحضوري والمدمج وعن بعد بحسب ظروف كل مدرس، واعتماد أكثر من دوام دراسي لاستقبال تلامذة المدارس المعتمدة كمراكز إيواء

حزب القوات اللبنانية شدد على ضرورة ترك هامش القرار للمدارس الخاصة بتقدير جاهزيتها لفتح أبوابها بدون ضغط. فمن غير المنطقي تحميل المدارس الخاصة أعباء الحرب، وعلى الحكومة مسؤولية تدبير أمر تعليم أولاد النازحين ووضع خطة طوارئ تتلاءم مع الحرب الراهنة

و في سياق متصل، تعمل وزارة الاتصالات حاليًا على تأمين الإنترنت لطلاب المدارس والأساتذة بطلب من وزارة التربية، وقد تواصلت وزارة التربية مع شركتي الخليوي ألفا وتاتش وهيئة أوجيرو، حيث تم البحث في كل السبل لتسهيل التعليم عن بعد في هذه الظروف التي يمر بها لبنان. وطلبت وزارة الاتصالات أن يتم تزويدها بعدد الطلاب والأساتذة لتدرس شركتا الخليوي هذا القرار على أداء شبكتيها، وتحديد الوقت الثابت في النهار، خاصة وأن هناك ضغطًا كبيرًا في ظل وجود النازحين بأعداد كبيرة. كما تبحث وزارة الاتصالات عن وسائل أخرى لتسهيل عملية التعليم عن بعد عن طريق الشبكة الثابتة أوجيرو، وذلك بالتعاون مع شركة مايكروسوفت.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا